IMLebanon

تجربة الثورة التونسية: الاستثناء والقاعدة معا

 

ثورة الياسمين في تونس لها بقية حسب الشعار المرفوع في التظاهرات الأخيرة. لا بقية عنفية بل شعبية سلمية. وهي تستحق أن يحتفل العرب جميعا مع الشعب التونسي بذكراها السابعة. أولا لأنها كانت فاتحة التجرّؤ على الأنظمة السلطوية في ما سمّي الربيع العربي. وثانيا لأن تجربتها الناجحة كرّست معادلة فشلت في تحقيقها ثورات ذلك الربيع في مصر وليبيا وسوريا واليمن: لا ثورة تستحق اسمها ان لم تكن بداية انتقال ديمقراطي للسلطة يقود الى بناء دولة تحقق الشعارات التي رفعها المتظاهرون: حرية، خبز، وكرامة وطنية وشخصية.

ذلك ان ثورة تونس صارت الاستثناء من القاعدة التي شملت بقية الثورات. هي نجت من إغراء العنف وسطوة التيارات المتطرّفة عليها، وفتحت الطريق نحو ائتلاف بين حركة النهضة الاسلامية وأحزاب وشخصيات علمانية ضمن نظام ديمقراطي تعددي. والفضل، بشكل أساسي، للخطوات الجريئة التي قام بها الرئيس بورقيبة ولو في نظام سلطوي، بحيث نما واتسع مجتمع مدني قوي عماده طبقة وسطى منفتحة ومتعلمة ورجال ونساء متساوون. أما الثورات الأخرى، فان بعضها تعرّض للسطو على أيدي الإخوان المسلمين قبل أن يسترد الجيش السلطة. وبعضها الآخر تحوّل حروبا أهلية شاركت فيها قوى اقليمية ودولية، بحيث قادت العسكرة الى التطرّف والتطيّف والقمع والفوضى والدمار والنزوح.

 

لكن الاستثناء التونسي لم يسلم من انطباق قاعدة ثانية على الوضع. فالقاعدة في الأنظمة الشمولية، باستثناء التجربة الصينية التي بدأها دينغ هسياو بنغ بعد كارثة الثورة الثقافية والسياسات الاقتصادية الخاطئة أيام ماوتسي تونغ، هي القول للناس: تخلوا عن الحرية لنؤمّن لكم الخبز، ثم الفشل في تأمين الخبز لأن ذلك يحتاج الى الحرية. والقاعدة في الأنظمة التي ظهرت بعد انهيار الأنظمة الشمولية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية وتميّزت بشيء من الحرية هي صعوبة النهوض الاقتصادي وتنامي الدين العام وسهولة الفساد وسرقة المال العام.

وهذه هي الصورة الظاهرة في الشوارع التونسية، بصرف النظر عن أفعال مثيري الشغب. شباب ثار قبل سبع سنوات تحت شعار: عيش، حرية، وكرامة، فحصل على الحرية من دون أن يحصل على الخبز. وبالتالي من دون تأمين فرص عمل، بحيث وصلت نسبة البطالة لدى الشباب الى ٣٠%. والمشكلة ليست فقط الفقر وسياسات الاقتصاد الريعي وتأثير العمليات الارهابية على الموسم السياحي بل أيضا ايديولوجيا التطرّف والتكفير.

وليس أمرا قليل الدلالات أن تسجل تونس التي لديها أقوى مجتمع مدني في العالم العربي تصدير أكبر عدد خرج من أي بلد عربي للانضمام الى داعش.