في كل حدث يعود الدور الفرنسي الى الواجهة، وهذه المرة عادت الديبلوماسية الفرنسية الى نشاطها السابق، من خلال الزيارة الأولى لوزير الخارجية الجديد جان نويل بارو الى لبنان من اجل وقف الحرب، الأمر الذي طرح تساؤلات حول اهداف الزيارة ومدى نجاح التحرك الفرنسي وتأثيره في ضبط الجبهة، في ظل وحشية العدوان الاسرائيلي، وعما اذا كان الدور الفرنسي قادرا على تحقيق اختراق مهم في لعبة الأمم والدول المؤثرة.
الوزير الفرنسي قام بجولة من عين التينة الى قيادة الجيش وبكركي، مشددا على ضرورة وقف المواجهات المسلحة وانتخاب رئيس جمهورية، بما يعني عودة البحث في الملف الرئاسي. ووفق المعلومات فان تحرك الوزير الفرنسي، هو الأول لمسؤول خارجي بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وقد لا يكون قادرا على تحقيق اختراق كبير في ملف الحرب، في ظل ارتباط المسارين اللبناني والغزاوي، لكنه يفتح نافذة على مبادرات لاحقة، اذ يتردد ان الوزير الفرنسي نقل الى رئيس حكومة تصريف الاعمال أفكارا تتعلق بوقف الضربات المؤذية، والموقف الفرنسي المعارض لأي عملية عسكرية.
التحرك الفرنسي لم يحمل مبادرة معينة، تقول مصادر متابعة للتحرك الفرنسي لكنه يبقى في اطار النصائح والتمنيات الفرنسية لانتخاب رئيس جمهورية، والرغبة الفرنسية بتقديم الدعم الانساني، وفي اطار إهتمام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالملف اللبناني، حيث سبق لماكرون توجيه نداء قبل أسبوعين الى اللبنانيين لمساندتهم في المحنة الحالية.
واشارت المصادر ان التحرك الأخير سلط الضوء على العودة الفرنسية الى الملف اللبناني، وذكر بالدور الفرنسي في ٤ آب، علما ان ماكرون كان الرئيس الغربي الوحيد الذي تحدث مع الرئيس الإيراني على هامش اجتماعات نيويورك حول ضرورة التهدئة في المنطقة، مطالبا “اسرائيل” بوقف التصعيد في لبنان، وعدم توسيع نطاق عملياتها، وحض حزب الله على وقف إطلاق الصواريخ.
من الواضح كما تقول المعلومات، ان الديبلوماسية الفرنسية تسعى للدخول على خط الحرب، والسعي لاحتواء التصعيد ووقف العمل العسكري، انطلاقا من الرغبة الفرنسية الدائمة في القيام بدور خاص في الأزمة اللبنانية، وحماية لبنان في الحرب الدائرة حاليا بين لبنان و “اسرائيل”، ويأتي ذلك تتمة للتحرك الديبلوماسي في ٤ آب الذي توج بزيارتين لماكرون، اضافة الى اهتمام الديبلوماسية بالملف الرئاسي.
واكدت المصادر انه من الواضح ان باريس تسعى لأدوار استثنائية، فماكرون يتطلع لاستنساخ تجربة الرئيس السابق جاك شيراك في الحروب بين لبنان و “اسرائيل”، والتي آلت لصياغة اتفاقات انتهاء الحرب في حينه.
بموازاة التدخل في الحرب لا يغفل الدور الفرنسي رئاسيا، فعلى الرغم من الإخفاقات المتكررة لمهمة مبعوثها جان إيف لودريان الى بيروت بالملف الرئاسي، لم توقف مبادراتها الساعية لإحداث خرق في الأزمة الرئاسية. وعلى الرغم من تعثرات كثيرة لم تخف الاندفاعة الفرنسية، ولو كانت على طريقة ديبلوماسية” الخطوة خطوة” في الموضوع الرئاسي، مع العلم تقول المصادر ان الديبلوماسية الفرنسية لا تسعى فقط لحل المعضلة الرئاسية، بل تتطلع الى تأدية دور استثنائي على الساحة اللبنانية وإثبات الحضور، وهذا ما يفسر عودتها اليوم بقوة للتدخل في ملف الحرب.
الاهتمام الفرنسي بالشأن اللبناني ليس تفصيلا عاديا، بحسب المصادر، فمن المؤكد ان فرنسا تسعى للقيام بأدوار في بلد له مكانته الخاصة لفرنسا، ربطا بموقعه الاستراتيجي والحيوي في المنطقة، وتحرص الإدارة الفرنسية كل فترة على تجديد حضورها، وإبقاء الملف اللبناني تحت السيطرة والمتابعة، على الرغم من منافسة اللاعبين الدوليين الآخرين.
مع ذلك يعتقد كثيرون ان “زمن شارل ديغول انتهى” في اللعبة الإقليمية والدولية، فالإدارة الفرنسية ارتكبت اخطاء كثيرة في الملف اللبناني، كما ثبت في الملف الرئاسي ان الفرنسيين وقعوا في مأزق عدم إرضاء الافرقاء المتنازعين، واعطاء كل فريق سواء من المعارضة او الممانعة الرئيس الذي يريدونه. وثمة تساؤلات تطرح دائما عن الانحياز الفرنسي الى فريق معين، مع حصول تبدل جوهري في النظرة الفرنسية الى الملف اللبناني، وانتقال باريس الى الإهتمام بأولويات تأمين مصالحها واستثماراتها ومشاريعها حيث ان المصلحة الفرنسية في التقرب من الفريق الأقوى في الداخل.
ورأت المصادر انه لطالما أطلقت الديبلوماسية الفرنسية مخاوف من احتمال زوال لبنان السياسي وليس الجغرافي، بغرض حث المسؤولين على انتخاب رئيس جمهورية قبل فوات الأوان، لان لبنان انهار، والوقت لم يعد لمصلحته إقليميا في ظل المتغيرات وأحداث المنطقة. فهل صحت التحذيرات الفرنسية ودخلنا المربع الأخطر؟ وهل توفق الديبلوماسية في وقف الحرب وطرح مبادرة ما، وتحقيق ما عجز عنه آخرون؟