IMLebanon

القصة الكاملة لقضية «اوجيرو» والالياف البصرية

في دولة قلما لمسنا فيها تطبيق القانون والالتزام به، أو سمعنا عن فاسد أوقف وتمت مقاضاته، لا يُستغرب أن نسمع ما يحصل في هذه الايام في وزارة الاتصالات، خصوصاً أن من تأمل اللبنانيون فيهم خيراً أصبحوا شركاء الطبقة السياسية القديمة-الجديدة  في تمرير الصفقات المشبوهة على حساب المال العام وخزينة الدولة المملوءة بالضرائب التي تؤخذ من المواطنين الشرفاء.

في وزارة الاتصالات وزير برتبة فرعون يرفض الامتثال الى قرارات القضاء، يرفض الادلاء والرد على مطالب الموظفين ونقاباتهم. في وزارة الاتصالات  وزير يأخذ من أرباح الدولة ويجعلها أرباحاً للقطاع الخاص. في وزارة الاتصالات وزير اسمه محمد الجراح.

القصة بدأت مع تحويل مشاريع مد الالياف الضوئية وتشغيل الخدمات المتصلة بها من وزارة الاتصالات  لشركتي «ج.د.س.» و«وايفز»  دون اجراء اي مناقصة ولا حتى استدراج عروض. كان من المفروض أن تقوم هيئة أوجيرو المطعون أيضاً في جدواها بهذا العمل، على أن تعود الارباح كاملة الى الدولة اللبنانية.

قبل الغوص في تفاصيل الموضوع، من الجيد أن نعطي المواطن لمحة عن الملف بدءا بتعريف أوجيرو وصولاً الى المعضلة الفضيحة التي نعاني منها اليوم.

 

 هيئة أوجيرو

 

أنشئت هيئة أوجيرو سنة 1972 في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية بهدف استلام وادارة واستثمار منشآت وتجهيزات شركة راديو أوريان، ثم مع دخول البلاد في الحرب الاهلية توقفت عن العمل حتى اعادتها الى الحياة في بداية التسعينيات لدى انتهاء الحرب الاهلية في لبنان. كان الهدف من اعادة هذه الهيئة الى العمل، الالتفاف على الدولة ووزاراتها عبر انشاء مؤسسات وهيئات رديفة للوزارات بحيث تكون هذه المؤسسات والهيئات محررة من القيود والاصول المفروضة قانوناً على الوزارات.

واستعملت «هيئة أوجيرو» طوال الحقبة السابقة للتنفيعات والمحسوبيات، اذ، على سبيل المثال، لا تحتاج الهيئة الى المرور بمجلس الخدمة المدنية للتوظيف، بل يقتصر الامر على مرسوم وزاري لتعيين موظف جديد دون اجراء اي امتحان او فحص الملف امام اللجان المختصة. كذلك ان الهيئة تقرر وحيدةً صرف الاموال والمكافآت حتى خارج ما يحدده النظام الداخلي المعمول به.

 

 مشروع الالياف الضوئية

 

قد يفاجأ البعض بأن الجزء الاكبر من مشروع الالياف الضوئية تم انجازه من قبل وزارة الاتصالات في زمن الوزير شربل نحاس، حيث اجريت دراسة على مساحة لبنان بأكمله، وتوصلت الدراسة الى أن خدمة «البرودبند» ستكون متوافرة في مرحلة اولى لما يقارب ثلاثة ارباع المستخدمين، على ان يتم التوصيل لاحقا لسكان المناطق النائية والوعرة.

وهنا يؤكد الوزير  نحاس انه تم امداد ما يقارب 3000 كم من الالياف الضوئية في لبنان، بعد ان رصدت الوزارة للمشروع ما قيمته مئة مليار ليرة لبنانية فقط لا غير (في حين تم تلزيم المشروع لمؤسسة «ج.د.س.» و«ويفز» بكلفة مئتي مليون دولار، اي ما يوازي ثلاث مئة مليار ليرة لبنانية، اي ثلاثة اضعاف الكلفة المرصودة اصلاً) وتم انجاز التلزيم بأكمله بكلفة ستين مليار ليرة فقط، حيث قامت ثلاث شركات بالعمل على ثلاث مراحل: واحدة للحفر، ثم شركة ألكاتيل لتسحيب الالياف وربطها، فشركة د.و.د.م.د. لتركيب نظام التشغيل وتفعيله. كل هذا بـ 60 مليار ليرة فقط. في حين كلف الوزير الجراح شركتي «ج.د.س.» و «ويفز» تنفيذ مشروع شبه وهمي بقيمة 300 مليار ليرة.

بعد تلزيم المشروع وانجازه بـ 60 مليار ليرة، قامت وزارة الاتصالات بإيصال الالياف الضوئية للمؤسسات الكبرى التي تتلقى وترسل كميات هائلة من البيانات الرقمية، كالمستشفيات والجامعات والجيش وادارات الدولة كالعقارية والجمارك فمحطات التلفزة. كما انه وضعت خطط لنظام الـ active cabinet والذي يوصل الخدمة السريعة لـ 95% من المستخدمين عبر استبدال السلكي بالالياف. وتم الاتفاق مع المصارف وغيرها من المؤسسات المنتشرة في كل لبنان على وصل هذا النظام بتغذيتهم الكهربائية الذاتية في ساعات التقنين الكهربائي. غير ان المشروع توقف وقتذاك ومدير اوجيرو السابق عبد المنعم يوسف عرقل التنفيذ بعد استقالة الوزير نحاس.

هنا يطل الوزير الجراح على المشهد ويلزم ما تم تلزيمه سابقا الى القطاع الخاص المتمثل بشركتي «ج.د.س.» و«ويفز»، ويعطيهم حق تقاضي 80% من الارباح من زبائنهم ويبقي للدولة 20% فقط.  ومن المتوقع ان تزيد الارباح بوتيرة عالية، ما سيحرم خزينة الدولة مئات ملايين الدولارات من العائدات سنوياً. انها صفقة العمر للوزير الجراح وصفعة العمر لمشروع الدولة وقوانينها. فهل يتدخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لحفظ المصلحة العامة والدولة ومؤسساتها، خصوصاً ان الشركات بدعم من الوزير الجراح تتحدى قراراً قضائياً واضحاً بوقف اعمالها؟