IMLebanon

على هامش الأعياد  

 

 

تحتاج البلاد من هدوء وسلام الأعياد الشيء الكثير، فلتأخذ السّاحات والطّرقات وضجيج التّظاهر إجازة وليَدعوا اللبنانيّين ينشغلون بهمس الأعياد وفرحها، وليفسحوا المجال لضحكات الأطفال أن تكتمل وتولد ليلة العيد، هذه التّظاهرات لن تسمن ولن تغني من جوع، وقد لا تغيّر شيئاً، بل أغلب الظنّ أنّها لن تغيّر شيئاً في الواقع اللبناني المريض بأمراض ميؤوس منها!!

 

ليس هناك من داعٍ لتعكير صفو عيد الميلاد بالتّظاهر وقطع الطرقات هنا وهناك، اللبنانيّون بحاجة حقيقيّة إلى إجازة الأعياد وفرحها، صارت الأمور ضاغطة وفوق طاقة احتمالهم، دعوا اللبنانيّين خصوصاً الفقراء منهم وقد صاروا أغلبيّة يُفرحون أولادهم ببساطة ما تبقّى لديهم ممّا يعول هذه العائلات الجائعة، هذه الثّورة إن فضحت شيئاً فقد فضحت حجم الجوع الذي يسكن البيوت والحزن المعشّش فيها، فالفرح يشبع القلوب والبطون الجائعة، أما الثورة فلن تطعمهم إلا ضجيجاً يوتّر مساءات عيد الميلاد، وصباحاته.

 

هذه السّنة يأتي عيد الميلاد مثقلاً بآلام اللبنانيين، عسى اللبنانيّون يتقاسمون معاً لقمة وبهجة وفرحة العيد، وعسى أن يخرج من بينهم من يطرق أبواب البيوت الباردة، الأبواب التي تخفي خلفها القلق والكدر والبرد والمرض والفقر، الفقر والمرض يهجّران الأعياد، ويسحقان ابتسامات الطفولة، حتى في زمن الحرب الأهليّة كانت العائلات تتجمّع حول بعضها بعضاً في المدن والقرى تبحث عن دفء المحبّة وأضواء السّلام البعيدة، علّنا نستعيد شيئاً من سلام استقبال السيّد المسيح برغم كآبة ما يعصف بلبنان وشعبه!

 

في زمن الأعياد، يحتاج اللبنانيّون إلى الكثير من السّلام، سلام السّماء، والسّلام على الأرض، والسّلام لقلوب النّاس الخائفة المضّطربة، والسّلام لنفوسنا التي تأكل بعضها بعضاً من القلق، ويحتاج اللبنانيّون هذه الأيام إلى الكثير من الإيمان بأنّه من فوق كلّ ما يجتاحنا من أزمات وضيق وعُسْرٍ وفقر من فوق كلّ هذه، عين الله الرّحمن الرّحيم ترعانا وتحفظنا، فقد صار كلّ ما يحيط باللبناني يخوّفه من الغد، حالات الانتحار التي تكاثرت بشكل غير مسبوق في لبنان تعني أمراً واحد أنّ قلّة الدّين والإيمان بدأت تتمكّن من كثيرين، في هذه الأعياد المباركة نحن بجاحة إلى طرد وسوسات الشيطان من صدورنا ونفوسنا وعقولنا لأنّ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا  وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

 

في «زمن الميلاد»، وعلى هامش الأعياد، اتركوا النّاس تستعيد فرح قلوبها وابتسامتها، فتشكيل حكومة اللون الواحد ينتظر، والتظاهرات ضدّ الرئيس المكلّف تنتظر، وقطع الطرقات الذي بات «طقساً ممجوجاً» ينتظر، كلّه ينتظر في لبنان، «إلنا أربعة عقود ناطرين» ولم يتغيّر شيء، ونشكّ كثيراً أن يتغيّر شيء، لذا علينا أن نذكّركم أنّ فرح الأطفال لا ينتظر، وقلب وضحكة عجوز قد يكون هذا العيد الأخير الذي يمرّ على أوجاعها لا ينتظر، العائلات الفقيرة التي تعد أولادها بالمسيح الآتي حاملاً معه كلّ سنابل أحلامهم ليلة العيد، إسمحوا لنا كلّه ينتظر لا قيمة لأيّ شيء أمام ضحكة طفل جائع في ليلة عيد…

 

تغمرنا روح الميلاد بعمق شديد فـ«عندما نسقي عطشاناً كأس ماء.. عندما نكسي عرياناً ثوب حبّ.. عندما نجفّف الدّموع من العيون.. عندما نملأ القلوب بالرّجاء.. نكون في الميلاد»، ولا يحتاج لبنان في هذه الأيام لأكثر من هذا.