IMLebanon

ميلاد المحبة اللامتناهية  

 

نشتاق العطلة كما تلامذة المدارس. أقله لكي نرتاح، ولو موقتاً، من سماجة هذا الوضع السياسي غير المقبول الذي يطبق علينا بأثقاله كلها. مع اننا نخشى أن يطاردنا أهل السياسة حتى في أيام الراحة، فتكون إطلالاتهم «البهية» علينا مثقلة بكل ما نسعى إلى الراحة منه.

 

وللعطلة في المطلق مذاق محبّب لدى الكبار والصغار. وهي ضرورة «تفرضها» مؤسسات عالمية عديدة، ويذهب بعض قوانين العمل في بلدان عدّة الى حتمية حصول الموظف والعامل (…) على الإجازة تحت طائلة المسؤولية.

أما لعطلة عيد الميلاد المجيد فنكهة خاصة نتذوقها، كوننا نستعيد معها فرح الطفولة وبراءتها ولحظات من الزمن الجميل… ولأننا كنّا نشعر أن يسوع طفل مثلنا مع فارق أنه أشدّ فقراً… ولما أخذ العمر يحملنا ويطوف بنا في متاهات هذه الحياة، أخذت معاني ميلاد الرب يسوع تتفاعل في وجداننا وتتعمّق في إقتناعاتنا، وكلما غصنا في تلك المعاني كلّما تبدّت لنا تلك المسيرة الإنسانية للإله المتجسّد من ولادة في مزود حتى الإرتفاع على الصليب افتداء للبشرية كلها لغسل الآثام ونشر المحبّة في معناها الأعظم والأسمى. افتداء الآخر من أجل خلاص هذا الآخر، وغفران الخطايا والآثام، وبث وتعميم المحبة التي هي أساس تعاليم صاحب العيد، والتي بلورها القديس بولس الرسول (رسول الأمم) في رسالته الأولى الى أهل كورنثوس، بقوله العظيم الآتي: «1إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة، فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن. 2 وإن كانت لي نبوة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئاً. 3 وإن أطعمت كل أموالي، وإن سلمت جسدي حتى… أحترق، ولكن ليس لي محبة، فلا أنتفع شيئاً. 4 المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد».

وفي تقديرنا المتواضع أنّ هذا «المنشور» عن المحبة لم يسبق إليه أحد، ولم يجار أحد القديس بولس بمثله، وقد يكون متعذراً أن يبلغ أحد الى مستواه في حقيقة وشمولية محبة اللّه التي «قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس» (روم5:5).

ويذهب الإنجيلي يوحنا الحبيب الى القول «من شدة محبته تبنّانا اللّه كأبنائه» (1 يو 1:13) و «إن من يخلو من المحبّة لا يعرف اللّه ابداً، لأن اللّه محبة» (يو 8:4)… ووصية يسوع الجديدة (بالنسبة الى ما قبل العهد الجديد) هي «أن يحب بعضنا بعضاً» (يو 15:14 ، 21، 23).

تلك هي بعض المعاني التي تحضرني وأنا أسجد أمام الإله المتجسّد طفلاً في مزود حقير، وهو كلي القدرة اللامحدودة.

وبالرغم من هذه المعاني السامية (ولم نورد هنا إلاّ نذراً يسيراً منها) لا تزال البشرية غارقة في البغضاء والكراهية والحروب والآثام… وما تتعرض له القدس بالذات إنّ هو إلا خروج على معنى الميلاد.

وكل عيد ولبنان واللبنانيين والعالم قاطبة بخير.