IMLebanon

جردة الحساب بين الواقع والممكن والمستحيل؟!  

 

من الطبيعي ان تتفاوت المواقف وتتعدد ازاء «الطلة الاعلامية»، غير المسبوقة على هذا النحو، لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الذكرى السنوية الاولى لتوليه سدة الرئاسة الأولى.. ومن الطبيعي أيضاً ان لا يرى البعض في «جردة الحساب» هذه وهي لاتزال في معظمها حبرا على ورق ما يستحق كل هذه الاحاطة، مقابل آخرين يرون فيها تأكيداً أمام الرأي العام، في الداخل وفي الخارج، على ان الرئيس عون متمسك بثوابته التي أعلنها منذ لحظة انتخابه رئيساً وادائه القسم مشفوعاً بخطاب ينظر اليه عديدون على أنه «خطة عمل» تخرج لبنان من دائرة الفوضى والبلبلة والشغور الذي تمادى في غالبية المؤسسات وغياب المراقبة والمساءلة والمحاسبة.. خصوصاً وأن تلك الخطة، استكملت بتأليف حكومة «استعادة الثقة» برئاسة الرئيس سعد الحريري وما يمثل ومن يمثل..

 

بايجاز، الطلّة الاعلامية لم تكن على مستوى ما كان يتطلع اليه اللبنانيون ويتوقعونه، في ظل ظروف دولية – اقليمية – عربية – لبنانية متداخلة ومفتوحة على العديد من الخيارات، خصوصاً وأن كثيرين يمهدون الأجواء ليكون لبنان ساحة مواجهات متعددة سياسية واعلامية، قد لا تغيب عنها المواجهات الأمنية والعسكرية؟!

ليس من شك في أن المسؤولين الاعلاميين الممثلين للمحطات المحلية، الذين حضروا اللقاء وسألوا، وناقشوا وقاطعوا، لم تكن أسئلتهم في الغالب، سوى لتسجيل مواقف و«الزكزكة» و»احراج رئيس الجمهورية بقصد اخراجه عن صيغة الكلام التي عبر فيها عن بعض مواقفه ونأى بها عن العديد من المسائل البالغة الأهمية في نظر قسم كبير من اللبنانيين لاسيما ما يتعلق بـ«اداء حزب الله»، ومستقبل العلاقة مع النظام في سوريا..

لا جديد في مواقف الرئيس عماد عون، وسرد الانجازات التي حققها العهد (رئاسة وحكومة ومجلساً نيابياً).. على رغم اعطائه المسألة الأمنية أولوية تتقدم على سائر ما عداها، إضافة الى معالجة الوضع الاقتصادي – الاجتماعي.. وفي الواقع، قد يكون من المبالغة، بل من الظلم – تحميل العهد مسؤولية ما آلت اليه أمور الدولة اللبنانية في غالبية مؤسساتها، او ما يمكن تسميته بـ»المؤسسات، وهي باتت فارغة من مفهوم المؤسسة ومحكومة من قبل أفراد و«زعامات».. فالدولة، على ما قال رئيس الجمهورية، «كانت (ولازالت) مهترئة ومنتهية الصلاحية عندما تسلمناها، ولا شك ان البناء من جديد أسهل بكثير من الترميم الذي نقوم به حالياً..» معتبراً ان كل المؤسسات كانت منتهية الصلاحية، بما فيها مجلس النواب..»

للانصاف، لم يكن الرئيس عون يبالغ عندما قال «إن هناك أخطاء كثيرة سجلت.. لكن لا يمكن اصلاح كل الأمور بأشهر قليلة..» لكن الثغرة الأساسية ان ليس في برنامج «الاصلاحيين» ما يشير الى اعادة الحياة الى المؤسسات الرقابية وتلك التي تعتمد معايير قانونية وحقوقية ووطنية مجردة، وبعيدة عن المحاصصات.. وكثيرون يستذكرون عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب وما أحدثه من نقلة نوعية في بناء الدولة الحديثة وانشأ العديد من المؤسسات التي تعتمد معايير الكفاءة ونظافة الكف، لا معايير المحاصصات الموزعة بين أمراء الطوائف والمذاهب ومافيات المال..

الاصلاح لا يكون إلا على أيدي اصلاحيين صالحين ووفق خطة عمل وبرنامج وطني شامل ودقيق، وبغطاء وطني كاف لاتخاذ أية اجراءات بحق كل المرتكبين والمتجاوزين حدود الصلاحيات والمستثمرين على مواقعهم.. وهذا أمر شبه مستحيل في دولة مثل الدولة اللبنانية القائمة على المحاصصة الطائفية والمذهبية والاقطاعيات التي تتناسل وتورث أبناءها المكانة.. خصوصاً أكثر ان الجهات المعنية بالمتابعة والمراقبة والمساءلة والمحاسبة موقوفة على أبواب المجلس النيابي، وان استعاد في هذا العهد شيئاً من دوره عبر اقرار قانون جديد للانتخابات، هو مثار العديد من الاسئلة والتساؤلات بالنظر لما يحمله من غموض في بعض مواده، باتت محطة لسجالات واجتهادات قد تعرض الانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل الى خطر جاد وحقيقي..

تتصدر محاربة الفساد عناوين العهد.. وهو يدور في حلقة مفرغة خصوصاً وأن القضاء المختص، الذي لرئيس الجمهورية كم من الملاحظات عليه ادار ظهره.. وقانون محاسبة الجرائم المالية لايزال في المجلس النيابي ولم يقر.. وهناك مشاريع لم يقر سوى واحد منها..»؟!

لم يكن العماد عون بحاجة للتذكير بـ»انجازات العهد» من مثل اتمام الموارنة واقرار التشكيلات الديبلوماسية واقرار قانون الانتخابات على أساس النسبية والجميع يعرف ذلك لكن السؤال هو ما هي الضمانات بأن الانتخابات ستجري في موعدها وفق القانون الجديد الذي برأيه حقق التوازن بين مكونات (طوائف ومذاهب) الوطن، وبأن نتائج الانتخابات (اذا ما حصلت) ستكون بداية انطلاقة حركة «الاصلاح والتغيير» التي يتطلع اليها اللبنانيون؟!

أما مسألة «السلاح» وضرورة ان يكون حصراً بيد الجيش، فالأرجح ان الرئيس عون اعتمد مقولة «في فمي ماء.. وهل ينطق من فيه ماء..؟!، خصوصاً وأن التطورات الاقليمية ضاغطة، وهو أعاد مسألة عدم تولي الجيش وحيداً السلاح في الوطن الى سببين: داخلي وهو النقص في السلاح والعجز المالي، و«الاتفاق بيننا وبين «حزب الله» قبل الرئاسة..».

ليس من شك في ان ما قاله الرئيس عون كان انعكاساً لواقع أكثر تعقيداً مما يتصور عديدون، وجردة الحساب هذه كافية لتشير الى أخطاء كثيرة سجلت وأن «سياسة التراضي أمر واقع..» لكنها ليست مؤهلة لبناء دولة تخرج عن العرف الطائفي والمذهبي الذي كان في أساس الفساد المستشري والاصرار على عدم بناء الدولة المدينة العادلة التي تساوي بين جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات وتضمن الطمأنينة وحدة الحياة والمصير..؟!