IMLebanon

ثورة على ثورة «الخميني» و «العمامات»  

 

 

ما يجري في إيران منذ اغتيال مهسا أميني في حادثة وقعت في 16 أيلول 2022 في العاصمة الايرانية طهران، وبعدما فارقت الحياة عقب إلقاء القبض عليها من قِبَل شرطة الأخلاق بسبب عدم ارتدائها الحجاب وتعرّضها للضرب والتعذيب ما ترك أثراً سيّئاً جداً عند كل من واكب القصة…

 

أقول ما يجري لم يَعُدْ حدثاً عابراً وعادياً… بل تطوّر الى درجة «الثورة». والأهم انها جاءت ثورة ضد ثورة الخميني التي قضت على أقوى وأهم نظام في العالم… وبالمناسبة فإنّ شاه إيران استطاع أن يجعل من إيران في عهده دولة عظمى يخاف منها جيرانها وخاصة  دول الخليج والعراق… كما كانت أيضاً تُعْتبر خط الدفاع الأول عن أميركا من الخطر الروسي. لذلك كانت إيران أوّل دولة تحصل على أهم وأحدث المعدّات العسكرية من طائرات F/16 وF/15، الى أهم الدبابات، الى أهم الصواريخ. وبالرغم من بطش النظام الذي قتل ولدين من أولاد آية الله الخميني في التظاهرات التي قامت ضد نظام الشاه، الى المطالبة بتوزيع الأراضي، الى الحرّيات العامة، الى الاعتراض على النظام البوليسي القمعي «السافاك» ما أدّى الى هرب آية الله الخميني الى العراق وتحديداً الى النجف.. حيث عاش هناك الى يوم قرار وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر أن يقلب النظام على الشاه الذي رفض أن يقوم بحرب ضد العراق، فنقل الخميني الى باريس حيث استأجرت المخابرات الاميركية له منزلاً لتهيئته لتسلم الحكم في إيران بعد القضاء على الشاه.

 

وفعلاً هذا ما حدث، إذ لم يكن أحد في العالم يصدّق أنّ ثورة الخميني يمكن أن تقضي على أهم نظام بوليسي في العالم كله، فيضطر الشاه الى مغادرة طهران، ولم يرضَ أي بلد في العالم استقباله إلاّ مصر.. وذلك يسجل للرئيس أنور السادات انه كان الوحيد الذي تحدّى أميركا واستقبل الشاه في الاقصر استقبال الملوك… وسكن في مصر، لكنه لم يعش طويلاً لأنّ مرض السرطان كان الأسرع، ومات الشاه في مصر.

 

وللدلالة على خطورة الثورة التي قامت بعد مقتل المواطنة مهسا أميني، وامتداد الثورة الى مدن مهمّة في إيران كأصفهان ووصلت الى طهران ومشهد وكرمان وشيراز وتبريز وغيرها من المدن الايرانية.

 

أما الحدث البارز في هذه الثورة فهو ان الشعارات التي ترفع كلها ضد ثورة الخميني ما أدّى الى حرق المنزل الذي كان يعيش فيه.

 

وهذا يحدث للمرّة الأولى ما يوحي بأنّ الهدف أصبح واضحاً ومن دون لفّ ولا دوران، فالثورة هي ضد الثورة التي كان بطلها آية الله الخميني وكل جماعاته.

 

الحدث الثاني البارز هو الاعتداءات التي يقوم بها المتظاهرون ضد رجالات الدين الشيعة… وبالأخص رمي العمائم على الارض بطريقة استفزازية، والهدف هنا واضح هو ان الثوار يستهدفون ثورة الخميني بالذات، والأهم حكم رجالات الدين للدولة، وهذا ليس موضوعاً بسيطاً، فهو في الحقيقة انقلاب على كامل مشروع التشييع الذي بدأه الخميني منذ مجيئه عام 1978 ورفض كل ما قام ويقوم به هذا النظام داخلياً وخارجياً، وأنّ الشعب لم يعد يتحمّل صرف الأموال على مشاريع التشييع، وأعطاء «الحزب» في لبنان ملياري دولار سنوياً، وإعطاء الحوثيين مبلغاً مماثلاً، إضافة الى السرقة وتمويل الميليشيات الشيعية في العراق، ودعم بقاء بشار الأسد بالمليارات… كل هذا والشعب الايراني يعاني الأمرين، فإيران أيام الشاه كان شعبها مرتاحاً اقتصادياً، ويكفي أن يكون سعر صرف الدولار الواحد 5 تومان ليصبح سعر صرفه في عهد الملالي ثلاثماية وأربعين ألف تومان. شيء لا يصدّق حقيقة..

 

كذلك كانت إيران تصدّر مليوني سيارة سنوياً وذلك بسبب وجود مصنعين: واحد لشركة رينو والثاني لشركة بيجو، وبفضل نظام الملالي وتصدير الثورة توقف المصنعان.

 

وفي إيران اليوم 50 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، والدولة تعطي كل مواطن 20 يورو شهرياً كمساعدة إنسانية..

 

بصراحة ما يجري اليوم يؤكد ان الشعب لا يمكن له أن يصبر على هذا النظام، ومن هنا نرى ان الثوار يحمّلون الملالي وأصحاب العمائم مسؤولية الفشل في إدارة الدولة.

 

الحدث الثالث هو الزيارة التي قام بها قائد «فيلق القدس» اسماعيل قاآني، الذي جاء بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني أمام مطار بغداد بتاريخ 3 كانون الثاني عام 2020، الى بغداد، وللعلم فإنّ زيارة قاآني جاءت بعد ساعات من قصف الحرس الثوري الايراني إقليم كردستان وتوعّده بمواصلة الهجمات.

 

كان وصوله الى العاصمة بغداد في زيارة غير معلنة، وأجرى اجتماعات مع رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد ورئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.

 

ومع انه ليس جديداً أن يقوم قاآني بزيارة غير معلنة للعراق بحيث أحيطت مباحثاته مع القادة العراقيين بسرّية شبه تامة، لولا ما يتسرّب منها من الغرف المغلقة. فإنّ المفاجأة جاءت من قاآني حين ظهر في زيارة الى دار الإفتاء العراقية في جامع «أم الطبول» التي يديرها رجل الدين السنّي مهدي الصميدعي. وظهر جالساً مع الصميدعي داخل المسجد ومعه السفير الايراني محمد كاظم آل صادق، وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها القاآني ومعه السفير الايراني في العراق في الصُوَر.

 

وبالرغم من عدم صدور أي بيان بشأن اللقاء مع رئيس الحكومة، فإنّ الأخير أصدر بياناً أكد فيه أنّ هناك وساطة من علماء المسلمين في العراق وسوريا ولبنان للتدخل للصلح في الخلاف الحاصل مع إيران…

 

خلاصة القول: إنّ ما يجري في إيران خطير جداً… إنها ثورة على الثورة الخمينية وحكم العمائم…