أشار مساعد قائد فيلق القدس الإيراني لشؤون التنسيق، العميد أبرج مسجدي، في تصريح، إلى أن «نزع سلاح حزب الله في لبنان خطة أميركية – صهيونية ولن تنفذ أبداً»، مؤكّداً أن «الشعب اللبناني لن يقبل بالخطة ولا قوة حزب الله».
صدق مسجدي في اعتبار أن قوة حزب الله لن تقبل بهذه الخطة، خصوصاً وإنها بالتنسيق مع حركة أمل يجهزان الأرضية للقيام بمظاهرات واحتجاجات رافضة لقرارات الحكومة اللبنانية بهذا الشأن التي صدرت بتاريخ 5 و7 آب الجاري. ولكن ما لم يصدق به، أو أغفله عمداً هو تعميمه بأن الشعب اللبناني رافض لحصرية السلاح، في الوقت الذي تشهد الساحة اللبنانية انقسام عامودي يتمثّل بفريق داعم لقرار الحكومة ومطالب بحصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية ويتمثل بالأحزاب المسيحية والأغلبية السنية والدرزية، وفريق المؤيد لطهران وهو الثنائي الشيعي ومن معه من أقليات في الطوائف الأخرى.
يعتبر حزب الله كما مسجدي وما يثمله في النظام الإيراني، أنّ قرار الحكومة هو قرار أميركي يخدم المصالح الإسرائيلية، وإن من يطالب بحصرية السلاح في يد المؤسسة العسكرية الوطنية يعمل لصالح الحركة الصهيونية. في حين يجد الفريق الآخر أن هذا السلاح خرج عن وظيفته في الدفاع عن لبنان وأصبح في خدمة مصالح إيران في المنطقة لتعزيز شروطها التفاوضية مع أميركا لا سيما في ملفها النووية، وإن سردية أنه يحمي لبنان من العدوان الإسرائيلي سقطت بعد حرب الـ66 يوماً التي أدّت إلى تدمير لبنان وإلى احتلال إسرائيل للمواقع الستة إضافة إلى أسرها لبنانيون دون أن يتمكّن الحزب من تحقيق إنجاز نوعي في هذا الشأن.
انقسام عامودي على قضايا جوهرية تشهدها الساحة اللبنانية، حيث إن الجميع بات على يقين أن لبنان بات عاجزاً من أن يخرج من دوامة التشرذم هذه، وسط زيارات مكوكية يقوم بها المبعوث الأميركي، سفير تركيا توم باراك، الذي يعتبر أن عدم تطبيق الدولة اللبنانية لخطة تسليم السلاح سيكون لها تراتبيات سلبية على الصعيدين العسكري، إذ وضح باراك أنه لا ضمانات أميركية بمنع إسرائيل من تنفيذ اعتداءات جديدة على لبنان، واقتصادية وهنا تكمن المعضلة إذ لا قدرة لحزب الله ولا للحكومة اللبنانية على إعادة الإعمار ودفع التعويضات بعدما مرّت منذ عام 2019 بأسوأ كارثة اقتصادية وانهيار مالي على الإطلاق.
بين سندان الضغط الإيراني على الثنائي الشيعي لعدم تسليم السلاح، ومطرقة أميركا في حصر الدعم بتسليم السلاح، يمرر باراك مخطط إدارته التي أفصحت عن ما يعرف بـ«المنطقة الاقتصادية» التي طالب بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة. تعتبر هذه المنطقة التي من الممكن تشييدها في القرى الحدودية الملاصقة للعدو والتي لم تسمح إسرائيل لسكانها بالعودة إليها رغم التزام حزب الله كاملاً بقرار 1701، إنها ستكون منطقة صناعة وسياحية تخدم الرؤية الأميركية للحل الشامل للمنطقة بما في ذلك تحويل قطاع غزة إلى «ريفييرا الشرق».
هذه الخطة تعتبر ان مصادرة الأراضي والممتلكات للبنانيين قابلة للتعويض من خلال استبدالها في مناطق أخرى بعيدة عن الشريط، على أن تحاكي هذه المنطقة الصناعية المطالب الإسرائيلية بإقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبنانية، تمنع حزب الله من إعادة تموضعه فيها.
في تاريخ لبنان، أي منذ تأسيس هذا البلد على ربط الطوائف فيما بينها، وتشهد ساحاته عبر الزمن على انقسامات كانت تنتهي إما بحرب أهلية كما حصل عام 1975، مع تدخّلات خارجية تستفيد من الفوضى القائمة لتبني مصالحها وتفرض شروطها على الدول المنافسة لها. أو بما يشبه الـ«ميني حرب أهلية» كما حصل في أكثر من حقبة تاريخية منها حرب 1958 مع نهاية الحقبة الشمعونية المؤيد للتدخّل الأميركي الذي رفض التجديد لها فريق من اللبنانيين المنتمين فكرياً إلى المدّ الناصري المتمثل بالرئيس المصري يومها جمال عبد الناصر.
كذلك حصل في تاريخ لبنان الحديث «ميني حرب أهلية» دامت لثمانية أيام في 7 أيار 2008، وكانت أيضا نتيجة لقرار حكومي برئاسة فؤاد السنيورة، حيث طالبت حكومته بقطع شبكة الاتصالات التي كان الحزب يمدّها في مختلف مناطق لبنان، إضافة إلى قرار إقالة مدير جهاز المطار في الجيش اللبناني العميد الركن، وفيق شقير، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى اجتماع حصل في الدوحة بين الزعماء اللبنانية الذين توصلوا إلى صيغة مشتركة لإنهاء الأزمة والسير بتسوية برعاية قطرية.
تتشابه أحداث اليوم وقرار حكومة نواف سلام بقرار الأمس مع حكومة السنيورة مع فارق بسيط أن الحرب الأخيرة أنهكت حزب الله وفصلته على محور إيران خصوصاً مع سقوط النظام في سوريا مع هروب بشار الأسد. كما وتختلف في الحيثيات خصوصاً وإن الحرب الأخيرة أرهقت اللبناني، وبات الواقع في لبنان يحتاج إلى تسوية وليس إلى «ميني» حرب أو حرب أهلية للخروج من هذه الأزمة وكسر جمود الانقسام، وهذا يتطلب تدخّلاً من دول حيادية وصديقة كدولة قطر لإرساء التسوية بين اللبنانيين وإلّا بات كل شيء مباح إن لم تستطع الوساطات تجنّب دعوات الثنائي للاحتجاجات ما قد يدخل طابوراً خامساً يستغلّ هذا الشحن الطائفي بين اللبناني لإشعال الحرب مجدّداً.