IMLebanon

القبائل المارونية  

 

ليس جديداً أنّ الماروني يولد في لبنان وأمام ناظريه «الكرسي». وليس أي كرسي. إنه مقام رئاسة الجمهورية… هذا الهدف الذي تُـجمع القيادات المارونية عليه وتختلف، الى حدّ الصراع والإقتتال، على من سيصل إليه.

 

مرة واحدة إتفقت القبائل المارونية على من سيكون الرئيس. كان ذلك في العام 1970 عندما إنتهى الصراع بين الأقطاب الأربعة الذين صاروا، في ما بعد، أركان «الجبهة اللبنانية» على أحدهم ليكون الرئيس. فبعد صراعات (سياسية) شديدة بين المرحومين الرئيس كميل شمعون، والشيخ بيار الجميل، والعميد ريمون اده (في ما بينهم) وبين الرئيس المرحوم سليمان فرنجية، تم الإتفاق على أن يكون هذا الأخير رئيساً… ويومها طُرح شعار «الرئيس القوي» لأوّل مرة. والأربعة كانوا مصنّفين «أقوياء». وفاز فرنجية بالصوت الواحد (50 مقابل 49). وبات كل من النواب الذين إنتخبوه يدّعي أنه وراء إيصال الزعيم الزغرتاوي الى سدّة الرئاسة، بقوله: لولا صوتي لما كان فرنجية ليصل الى الرئاسة. صحيح. ولكن الصحيح أيضاً ما كان يقوله سليمان بك لكل من «يربّحه المِنيّة» بأنه وصل بصوته. فيجيبه: «أنا وصلت بصوتي أنا سليمان فرنجية… فلو لم أنتخب نفسي، ولو إقترعت لمنافسي الياس سركيس لكان هو الذي وصل، ولما كان لأصواتكم أي مفعول». وبهذا الجواب كان فرنجية يتملّص من الضغوط التي يواجهه بها النواب الذين صوّتوا له.

وأذكر أننا كنّا مجتمعين في منزل المرحوم الدكتور عبداللّه الراسي، صهر فرنجية، في بيروت، وقد التف فريق من بعض النواب المؤيدين لفرنجية حوله، فيما كان الرئيس كميل شمعون يقود معركة نائب زغرتا من مجلس النواب. وكانت عملية البوانتاج تُـجرى بحذر حيناً وبشطحات كبيرة حيناً آخر في بيت الراسي. فالتفت إليّ نائب بشرّي المرحوم الشيخ حبيب كيروز الذي كان ركناً مؤسساً في تكتل الوسط مع المرحومين الرئيسين كامل بك الأسعد وصائب بك سلام. وقال لي كيروز: أرجو أن تتوجه الى المجلس (النيابي) وتسأل الرئيس شمعون عن آخر معلوماته حول الرقم الذي سيناله سليمان بك. وكان الوقت داهماً، إذ إقترب موعد عقد الجلسة النيابية التي سيترأسها المرحوم صبري بك حماده وكان مؤيداً للمرحوم الياس سركيس.

قال لي الرئيس شمعون: أخبرهم أنّ العدد الذي «سنناله» 51 صوتاً إذا صدق النائب (فلان) ولن يصدق، فسيكون الفوز بـ50 نائباً مقابل 49. وعندما عدت ونقلت الجواب ساد الوجوم على الوجوه… وجاءت النتيجة كما حددها شمعون بدقّة متناهية. وانتخب فرنجية بالأصوات الخمسين ليترأس بلداً كان واجهة الإزدهار والتطور والريادة في المنطقة العربية، بينما كانت الأرض تغلي كالمرجل بسبب إتفاق القاهرة الذي استباح السيادة اللبنانية واقتطع من لبنان أرضاً ومقوّمات وقدّمها (رسمياً) الى المنظمات الفلسطينية، والذي مهّد لـ«حرب السنتين»… ولسقوط لبنان الذي كان… ليأتي هذا «اللبنان» الحالي الذي لا علاقة له بالزمن الجميل.

يومها تغلّب القادة الموارنة على خلافاتهم للمرّة الأولى و… الأخيرة!