IMLebanon

معنى النأي بالنفس في المفهوم الأميركي

ليس في لبنان سياسة خارجية واحدة وموحدة للدولة، والموجود هو سياسة خارجية مستقلة لكل واحد من المكونات التي تتشكّل منها هذه الدولة. وليس في لبنان نظام ديموقراطي حقيقي كما هي الحال في الأنظمة المتقدمة، والموجود هو ديموقراطية أطلقوا عليها تسمية توافقية، وهي في واقعها تغطية للنظام العشائري المعتمد عمليا. وبهذا المعنى فان الحكومة هي مجلس زعماء القبائل أو من ينوب عنهم، وهكذا… ولهذا السبب تتعثر الدولة، ويتعثر الزعماء السياسيون شيوخ القبائل اللبنانية عندما يصلون الى استحقاق يتصل بأحد مقومات الديموقراطية المعتمدة في الخارج، واقتبسها النظام اللبناني للتغطية وليس للتطبيق الفعلي! مثال ذلك هو قانون الانتخابات النيابية. ويجد السياسيون صعوبة في صياغة هذا القانون، لأن كل طرف يعتمد معيارا خاصا به مضمونه مصلحة القبيلة أولا فيصطدم بمعايير الأطراف الأخرى التي يسعى كل منها الى ضمان مصلحة قبيلته، وليس الى مصلحة الوطن كمعيار وحيد…

***

عندما لا يكون للدولة – أية دولة – سياسة خارجية واحدة وموحدة، فمن الطبيعي أن تتعامل معها الدول الأخرى ولا سيما العظمى منها، باعتماد سياسات متقلبة بحسب تقلب الظروف والأوضاع. مثال ذلك ان تبادر دولة مؤثرة اقليميا الى تقديم مساعدة كريمة وسخيّة لتسليح الجيش اللبناني، ثم تعود وتسحبها. اما التعامل مع دولة تتفرّد بوحدانية القطب في العالم مثل أميركا فهو أدهى. واذا كانت أميركا تنظر الى الدول الأخرى كحامية وتابعة لها، من أوروبا الى اليابان، فكيف يكون شأن التعامل مع الدول الصغرى والهشة مثل لبنان؟! وفي المبدأ تنظر أميركا اليه كمجرد تابع، لا سيما وانها تجد في الداخل قوى سياسية تتغزّل بسحر عيني كوندوليزا رايس، ومن قبلها ومن بعدها! وعندما تتسامح أميركا وتتواضع فانها توافق على سياسة لبنان المعلنة والمسماة النأي بالنفس مسايرة لظروفه الداخلية ولكن في حدود معيّنة…

***

غير أن تفسير النأي بالنفس في القاموس الأميركي يعني نأي البلد عن التعامل مع خصوم أميركا وأعدائها، وحصر التعاون فقط مع أصدقاء أميركا وحلفائها! وعندما يزيح لبنان بمقدار شعرة ويتجرّأ على التعامل المباشر مع روسيا، فسرعان ما تبادر أميركا الى اظهار العين الحمراء له، اما مباشرة واما بأساليب مختلفة! ولكن، حتى أميركا لا تستطيع إلاّ مراعاة المتغيرات في المنطقة وتتكيّف معها، متى فشلت في فرض روزنامتها!