IMLebanon

The new Christophorus Colombus كريستوفر كولومبوس القرن الحادي والعشرين

كم هو ظريف وزير الخارجية الاميركي جون كيري ليس في محادثاته مع «الظريف» الآخر نظيره الايراني، بل من خلال ما توصّل إليه من «اكتشافين» سبقه إليهما الكثيرون.

الاكتشاف الأوّل: إنّ النظام السوري لا يسقط إلاّ بضربة عسكرية توجّه إليه!

عظيم هذا الإكتشاف، أين منه اكتشافات «الناسا» في الفضاء؟!. بل أين منه اكتشاف كريستوفر كولومبوس القارة الاميركية «العالم الجديد» في العام 1492، قادماً من «القارة العجوز» أوروبا.

الثاني: إنّ إيران دولة إرهابية تتدخل في شؤون دول الإقليم… ولم يفته أن يذكر اليمن والعراق وسوريا ولبنان من تلك الدول التي تتدخل فيها طهران.

فأين كولومبوس من هذين الاكتشافين «العظيمين»؟

 

أولاِ: إكتشاف إيران الارهابية

نبدأ أولاً بإيران: في العودة الى عام 1979 يوم عاد آية الله الخميني من «باريس» (انتبهوا من باريس) وأسقط شاه إيران، نعم أسقط شاه إيران، وأقفل السفارة الاسرائيلية وفتح مكانها سفارة فلسطين… هنا بدأت الحكاية: كيف استطاع أن يسرق أهم قضية عند العرب والمسلمين ألا وهي قضية فلسطين.؟

ولكي يكون الفيلم مخرجاً بإتقان قام بمحاصرة السفارة الاميركية في طهران طوال 444 يوماً، ولم يفك عنها الحصار إلاّ عندما كان رونالد ريغان مرشحاً للرئاسة وهدّد في سياق معركته الانتخابية بأنّه إذا انتُخب رئيساً لن يسمح للحرس الثوري بمحاصرة السفارة لساعة واحدة… وهكذا كان، انتخب ريغان رئيساً فهرب الحرس الثوري وعلى رأسهم أحمدي نجاد وتحرّرت السفارة.

طبعاً هذه كانت البداية ومن بعدها أبدع الحرس الثوري الايراني بجعل لبنان أهم عاصمة للإرهاب إذ كان خطف الدكاترة من الجامعة الاميركية في بيروت، وتفجير قوات المارينز في محيط مطار بيروت، وخطف بعض المسؤولين الاميركيين، وتفجير السفارة الاميركية في رأس بيروت، وغيرها من الأعمال الارهابية… حتى اعتبرت واشنطن بيروت عاصمة الارهاب وحظرت المجيء إليها، وأوقفت الخطوط الاميركية PAN AMERICAN رحلاتها الى لبنان الى خطها، هذا في ما يخص لبنان…

لاحقاً استفادت إيران من الغزو الاميركي للعراق للتدخل الواسع فيه… ثم أخذت تتدخل في سوريا حيث أصبح الايرانيون حكام سوريا الفعليين.

وبما أنّ إيران هذه تبدّت أخيراً دولة إرهابية «اكتشفها» الاميركي، فكيف يتفاهم كيري، ومن ورائه دولته العظمى، مع هذه الدولة الإرهابية؟

إنّ الاميركي يجنّد 61 دولة تجنيداً فعلياً عسكرياً، ويستنفر 141 دولة بشكل عام ضدّ «داعش» (على سبيل المثال)… ومع ذلك فهو يتجه الى مفاوضات الفنادق وقاعات القصور للتحاور مع إيران، على ضفاف بحيرة ليمان السويسرية.

كيري، ومن ورائه إدارة رئيسه باراك أوباما يضربان «داعش» بذريعة أنها تنظيم إرهابي، جيّد، ولكن إيران التي اكتشفها الاميركي بأنها دولة إرهابية فالحوار معها يمتد من شهر الى شهر، ومن ربيع الى صيف، ومن خريف الى شتاء، ومن سنة الى سنة…

فهل لأنّ الايراني «فرفور ذنبه مغفور»؟!.

إنّها ازدواجية الدول الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة الاميركية التي خبرناها، على امتداد عقود طويلة، في التعامل مع قضية فلسطين التي هي، من دون أدنى شك، قضية حق وعدالة.

 

ثانياً: اكتشاف كيفية إسقاط بشار

وفي السياق ذاته، اقتنع الاميركي بأنّ نظام بشار الاسد لا يسقط إلاّ بالضربة العسكرية، ولكنها لا تبدو (حتى الآن) أنّها ضربة قاضية… بل هي تتخذ مسارات طويلة، امتدت أربع سنوات قابلة للتمديد الطويل، بدليل أنّها تتخذ تمهيدات طويلة جداً:

فبينما حدّد الاميركي موعداً لها في العام 2014 على خلفية السلاح الكيماوي الثابت أنّ النظام السوري استخدمه ضدّ شعبه، تمت تسوية عجيبة غريبة استغرقت نحو تسعة أشهر من أجل «تخلّص» النظام من هذا السلاح!

وفي بداية العام 2015 قرّرت واشنطن تدريب المعارضة السورية «المعتدلة» (لاحظ كلمة معتدلة)… وفي مطلع آذار الجاري يتجه الاميركي لإرسال «قوات رمزية» (لاحظ أيضاً كلمة «رمزية») لتشارك المعارضة المعتدلة اياها في حربها ضد النظام.

يحدث ذلك من دون أن يعرف أحدٌ متى تنتهي مرحلة التدريبات لتعقبها المشاركة الرمزية!

أمّا رأس النظام ففي عالم آخر، فها هو يتحدّث بالأمس الى قناة تلفزيونية أوروبية مستفظعاً أن تذكر وسائل الإعلام الغربية أنّ الحرب السورية قضت حتى الآن على 200 ألف قتيل!

بشار الاسد يستفظع الرقم ويقول انه أقل بكثير من ذلك… ولو سلمنا جدلاً بمنطقه وذهبنا الى أنّ عدد الضحايا هو 150 ألفاً أو 100 ألف قتيل، فهل هذا يكون «مقبولاً» و«عادياً»؟!.

وهل يفوت بشار ما نفذ من مجازر في حق الأبرياء وبالذات النساء والأطفال… الاطفال الذين قتل ولا يزال يقتل منهم يومياً وبمنهجية واضحة؟!.

وهل فاته ما نفذ من عمليات تهجير في حق سكان مخيم اليرموك من قتل وحصار وتجويع ونزوح على لجوء؟!.

وهل نسي المئات الذين قضوا بسلاحه الكيماوي؟

وهل نسي أو تناسى أنّ نحو نصف الشعب السوري مهجّر في الداخل ونازح الى الخارج؟

وهل غاب عنه أنّ مدناً دمرت وقرًى أُبيدت، وآثاراً إمّحت؟!.

وهل سها عن مئات آلاف المعوّقين جراء الإصابات في حربه على السوريين؟ وهل غابت عنه أعداد الذين ضاقت بهم سجونه من سجناء الرأي، وهم بالألوف المؤلفة؟!.

يبدو أنّه ينعم بالنسيان والسهو أو التناسي لأنّ كريستوفر كولومبوس القرن الحادي والعشرين يكتشف الأمور متأخراً جداً… ولا يكون له رد فعل ازاءها!