IMLebanon

«اليوم التالي» بعد ٢٣ شباط المشهود..

الثرثرات المعهودة على وسائل التواصل الإجتماعي، لم تحجب أجواء التعاطف الوطني مع التشييع الضخم لأمين عام حزب الله السابق السيد حسن نصراالله، إلى مثواه الأخير، في تظاهرة جمعت معظم الأطياف اللبنانية، الرسمية والسياسية والشعبية، وحافظت على هيبة المناسبة، وإحترام صاحبها.
حضر ممثلو الرؤساء الثلاثة، وشاركت معظم الأحزاب والقيادات السياسية في مراسم التشييع، ولو بشكل رمزي، وحضرت عشرات الوفود من الخارج، واحتشدت الألوف من الأعضاء والمناصرين والأصدقاء في مشهد لبناني وقومي جامع.

أهمية ظاهرة التعاطف تكمن في أنها تجاوزت الخلافات التقليدية والمزمنة مع الحزب وخطابه السياسي، وتوجهاته العسكرية، وسيطرته على مفاصل الدولة.  وتفرُّده في قرار الحرب والسلم. ولسان حال الجميع يقول:«كلنا في الهمّ سوا». على خلفية الكارثة التي حلّت بالبلد بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية، ونسبة الدمار والخراب التي وقعت في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وشرّدت أكثر من مليون لبناني من قراهم ومنازلهم، وتحمَّل أعباءها اللبنانيون جميعاً.
هذا المشهد الوطني الجامع يجب أن يخرج من لحظة المناسبة الكبيرة، إلى آفاق الحياة السياسية الوطنية، ليكون بداية عودة حزب الله إلى رحاب الدولة، والإعتراف بإتفاق ودستور الطائف، والإقدام على مصالحة وطنية حقيقية مع الأطراف اللبنانية الأخرى، التي تشكل الأكثرية الشعبية والبرلمانية.

لقد سبق للبنانيين، على إختلاف طوائفهم، وعلى إمتداد مناطقهم، شرقاً وشمالاً، وفي المقدمة بيروت وضواحيها، أن تضامنوا مع  إخوانهم النازحين لإستقبال آلاف العائلات التي إضطرت إلى هجرة ييوتها وبلداتها تحت ضغط القصف الوحشي، الذي مازالت القرى الحدودية تتعرض له، بحجة ملاحقة عناصر من الحزب، أو العمل على المزيد من التدمير والتفجير والتخريب، وإعتقال الشباب والأطفال وترهيبهم،وفق خطط منهجية، للقضاء على مقومات الحياة في تلك المناطق. وخاصة عندما لا يكون الجيش موجوداً بكامل العتاد والعتيد.
وإذا كان ثمة من يعتبر أن الحشود الكبيرة أمس، هي بمثابة إستفتاء عفوي لشعبية الحزب في البيئة الشيعية، فإن ما جرى في التشييع يجب أن يشكل في الوقت نفسه، دافعاً إيجابياً للقيادة الجديدة، ومن يتعاون معها من الحرس القديم، للتوجه نحو مصالحة وطنية شاملة مع الشركاء في الوطن، حفاظاً على دماء الشهداء وسيدهم، الذين سقطوا دفاعاً عن الأرض والوطن، وحتى لا تذهب التضحيات الجسام في مهب الخلافات العبثية، التي تُفرّق ولا تجمع، والتي تُدمّر ولا تبني.
إن بعد ٢٣ شباط يجب أن لا يكون كما قبله، سيّما وأن البلد كله يقف على عتبة مرحلة النهوض من كبوته المدمرة، مع عهد جديد، ورؤية طموحة، ودعم عربي وخارجي إفتقده لبنان في السنوات العجاف، ويحتاج إليه اليوم لتحقيق الإصلاحات المنشودة، وإطلاق ورشة الإعمار اليوم قبل الغد، وتطبيق إتفاق ودستور الطائف في رحلة العودة إلى دولة المؤسسات، حيث أكد الشيخ نعيم قاسم أكثر من مرة أن الحزب تحت سقف الطائف، ويمد يده للجميع.
إن الواقعية السياسية تتطلب من الحزب، كما من الأطراف السياسية والحزبية الأخرى، طوي صفحات الخلافات والإنقسامات السابقة، بعدما ثبتت عدم جدواها، بل برز حجم أضرارها، على الوطن ومواطنيه، بغض النظر عن الإنتماءات الطائفية والمناطقية، وما الكارثة التي يرزح تحت أثقالها الوطن إلا شاهداً درامياً على وحدة المصير التي تجمع اللبنانيين في السراء والضراء، وخاصة في الضراء.
لن نخوض في نقاش حول ملابسات الحرب المدمرة، فما حصل قد حصل، المهم أن تكون الحرب الأخيرة التي تفرَّد لبنان بتحمُّل أوزارها، في ظل هذا الخلل الكبير في توازن القوى مع العدو الإسرائيلي من جهة، وعدم إستسهال زج الوطن الصغير، وخاصة أهل الجنوب والبيئة الشيعية في حروب مدمرة للبشر والحجر، كل عقد ونيّف من الزمن من جهة ثانية.
ما جاء في خطاب القسم، وما ورد في البيان الوزاري ومواقف رئيس الحكومة، حول سياسة الأمن الوطني والقومي، فرصة لتحقيق الإختراق المنشود في مسألة السلاح، التي كانت أسيرة «حوار الطرشان»، في السنوات السابقة، ولا بد من التوصل لصيغة مناسبة لها، في هذه الفترة الحساسة بالذات، التي تتيح أكثر من فرصة لخروج لبنان من أزماته المزمنة، إذا اختار طريق الإنقاذ، وأجمعت مكوناته على العودة إلى الدولة العادلة والقادرة، وتركوا الرهانات الخاسرة على الدويلات الطائفية.
الحضور الرسمي في مراسيم التشييع أثبت مرة أخرى، الحرص الرسمي والوطني على الإحتضان  والشراكة مع الطائفة الأساسية في الكيان الوطني، بخلاف كل الترويجات المغرضة، عن إستهدافات متعمدة، لا وجود لها إلاّ في مخيّلات أصحاب النوايا السيئة.
قال السياسي البريطاني، مُنقذ إنكلترة في الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل: مع كل فرصة ذهبية هناك ظروف صعبة..، ومع كل ظروف صعبة هناك فرصة لا تعوض.
لبنان أمام فرصة ذهبية مع كل الصعوبات التي تحيط بها.
وحزب الله أمام صعوبات جمّة وفي الوقت نفسه أمام فرص لا تعوض!
فهل نتفاءل بالخير في اليوم التالي بعد ٢٣ شباط المشهود؟