IMLebanon

تعيين الموظفين وصلاحيات مجلس النواب

جعل الدستور اللبناني، في مادته 65، تعيين موظفي الدولة من ضمن صلاحية مجلس الوزراء، وأعطى مجلس النواب صلاحية مراقبة الحكومة ومحاسبتها، دون أن يجيز له أن يحل محلّ صلاحياتها في ممارسة صلاحياتها. إلا أن مجلس النواب اللبناني لم يحترم توزيع الصلاحيات بين الهيئات الدستورية، حيث كان يقدم على سنّ القوانين التي يتجاوز فيها على صلاحية مجلس الوزراء الحصرية بتعيين الموظفين، فيعمد إلى إلزام السلطة التنفيذية بتعيين أشخاص محددين، أو يحاول تقييد صلاحية مجلس الوزراء في تعيينهم.

وكانت هذه القوانين تسري وتنفّذ ما لم تقع في مصيدة الطعن أمام المجلس الدستوري، حيث لا يتردد هذا المجلس بإبطال هذه القوانين، مبيّناً في حكمه حدود اختصاص كل من السلطتين، وراسماً الأطر التي لا يجوز لمجلس النواب أن يتجاوزها في نطاق الوظيفة العامة. فإذا كان من صلاحية مجلس النواب تنظيم ووضع أصول تعيين الموظفين، لكن ليس من صلاحيته التدخل في التعيين أو إلزام الوزارات بتعيين أشخاص محددين.

لهذا قضى المجلس الدستوري بإبطال القانون الرامي إلى تشكيل لجنة لتعيين الموظفين، لأنها تؤلف قيداً على سلطة مجلس الوزراء في التعيين، ولا سيما موظفي الفئة الاولى أو ما يعادلها، باعتبار ان خيار مجلس الوزراء يصبح محصوراً لزوماً بالأشخاص الذين تسميهم اللجنة من دون سواهم، وهو ما يشكّل تعرّضاً لصلاحيات مجلس الوزراء الدستورية. وكذلك قضى المجلس الدستوري بإبطال القانون الذي أوجب على وزارة العدل إجراء مبارة محصورة بين الموظفين الداخلين في ملاكها والذين سبق وكلفوا بمهام كتابة العدل، بعدما أعفى المتقدمين إلى هذه المباراة المحصورة من بعض الشروط المفترض توافرها في المتقدمين لمباراة كتاب العدل. في هذا الحكم وضع المجلس الدستوري مبدأ دستورياً بمقتضاه: يتوجب على السلطة التنفيذية ملء المراكز الشاغرة وفق أحكام القانون، أي عبر إجراء مباراة مفتوحة لكل من تتوافر فيهم شروط المشاركة فيها، لأن إجراء مباراة محصورة، قرار تتجاوز فيه السلطة الاشتراعية صلاحيات السلطة الإجرائية.

كما قضى المجلس الدستوري بإبطال قانون ترقية المفتشين في الأمن العام، من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق، الفائزين بمباراة جرت في العام 2002، إلى رتبة ملازم أول، معللاً إبطال هذا القانون، بسبب ما تضمّنه من إجراءات تجاوزت فيه السلطة الاشتراعية حدود صلاحياتها، وقامت بممارسة صلاحية تدخل حصرا في صلاحيات السلطة الإجرائية، متجاوزة بذلك مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها. لأن التعيين في الوظيفة العامة إنما يتمّ بنتيجة المباراة في ضوء احتياجات الإدارة، وفقا لتراتبية تصنيف الناجحين في المباراة، ولا يجوز تعيين جميع الفائزين إذا ما فاضوا عن حاجة الإدارة، بحيث يكون التمييز بين الناجحين على أساس العلامات والاستحقاق والجدارة تبعا لما نص عليه الدستور.

ومؤخراً أقرّ مجلس النواب قانوناً عيَّن بموجبه الناجحين في المباراة التي أجراها مجلس الخدمة المدنية في العام 2007 لوظيفة مراقب ضرائب رئيسي مراقب تحقق ـ رئيس محاسبة في ملاك مديرية المالية العامة في وزارة المالية. واللافت بهذا القانون أنه إلى جانب مخالفته الصارخة للدستور من خلال تعديه على صلاحية السلطة التنفيذية بتعيين الموظفين، فإنه لم يلتزم بالمبادئ التي أرساها المجلس الدستوري، لا سيّما حيثيات قرار المجلس الدستوري الرقم 2/ 2012 تاريخ 17/ 12/ 2012 التي حظّرت إحياء نتائج مباراة جرت سابقاً وانتهت مفاعيلها بتعيين المرشحين.

إن القانون 292 المذكور، خالف هذا الحظر وأحيا نتيجة مباراة انتهت بتعيين الناجحين في العام 2007، بحيث لم يعد لنتيجة المباراة أي وجود قانوني، فإذا بهذا القانون يعيد إحياء ميتٍ ويعمد إلى إلزام الإدارة بتعيين الناجحين بهذه المباراة، ما يشكّل بحقيقته تعيينا مقنّعا غير مسند إلى نص دستوري أو مبدأ دستوري يجيزه.

إن تعمّد إقرار هذا القانون، لا يؤثر فقط على الواقع الدستوري ويظهر الخفّة في المقاربة الدستورية للقضايا الإدارية، بل يؤثر سلباً على العمل الإداري، إذ إن الفئات الراغبة في الترفع الوظيفي والتي تجد في نفسها الكفاءة والقدرة على المنافسة، ستفقد الثقة بالقانون وعدالته، عندما ترى بأن مجلس النواب قد أقفل أمامهم باب هذه الوظائف، لا لسببٍ إلا إكراماً لعيون بعض المحظوظين.

(&) أستاذ في كلية الحقوق ـ الجامعة اللبنانية