IMLebanon

انتظام العلاقة بين إيران والعرب: مفتاح استقرار الشرق الأوسط ومستقبله

 

 

تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات متسارعة، أبرزها التغيّرات الجيوسياسية التي أثّرت على طبيعة العلاقات بين الدول العربية وإيران. فبينما تسعى العديد من الدول العربية إلى تعزيز استقرارها الداخلي وتنمية اقتصاداتها بعيداً عن الصراعات، تواجه إيران تحديات متزايدة نتيجة الضغوط الدولية والإقليمية، خاصة بعد الضربات التي تعرّض لها المحور الذي تقوده. وفي هذا السياق، يصبح انتظام العلاقة بين إيران والعرب ضرورة ملحّة لتحقيق التوازن الإقليمي، بما يضمن احترام إيران للخصوصية العربية وتجنّب التدخّل في شؤون الدول الأخرى.

لا يمكن إنكار أن منطقة الشرق الأوسط كانت ولا تزال ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية. إيران، التي لعبت دوراً محورياً في العديد من النزاعات الإقليمية، وجدت نفسها بعد قرار تصدير ثورتها في مواجهة متزايدة مع الدول العربية التي ترى أن سياساتها تشكّل تهديداً لاستقرار المنطقة.

 

تأتي هذه التوترات في وقت يعاني فيه المحور الذي تقوده إيران من ضربات متتالية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. العقوبات الدولية التي فرضت على إيران أثّرت بشكل كبير على اقتصادها، ما دفعها إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الإقليمية. في الوقت نفسه، تسعى الدول العربية إلى بناء شراكات جديدة مع القوى العالمية، وتعزيز التعاون الإقليمي لتحقيق الاستقرار.

هذا الوضع يفرض على إيران أن تعيد تقييم سياستها الخارجية تجاه الدول العربية، وأن تدرك أن استمرار التوترات لن يخدم مصالحها على المدى البعيد. بل على العكس، فإن انتظام العلاقة مع العرب يمكن أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي الذي يعود بالنفع على جميع الأطراف.

 

إذا كانت إيران تسعى فعلاً إلى تحسين علاقاتها مع الدول العربية، فإن ذلك يتطلب منها الالتزام بمبدأ أساسي وهو احترام الخصوصية العربية. هذا المبدأ يعني الابتعاد عن التدخّل في شؤون الدول العربية الداخلية، سواء كان ذلك من خلال دعم جماعات مسلحة أو الترويج لأيديولوجيات معينة.

الدول العربية تتمتع بتنوّع ثقافي وديني وسياسي يجعلها فريدة من نوعها. أي محاولة لفرض رؤية خارجية أو التدخّل في هذا التنوّع سيؤدي إلى مزيد من الانقسام والصراع. إيران، باعتبارها دولة ذات تاريخ طويل وحضارة عريقة، يجب أن تدرك أن العلاقات الجيدة مع العرب لا يمكن أن تُبنى إلّا على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخّل.

 

التطورات الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك التقارب السعودي – الإيراني بوساطة صينية، يمكن أن تشكّل نقطة تحوّل في العلاقات العربية – الإيرانية. هذه الخطوة، التي رحّبت بها العديد من الدول العربية، تعكس رغبة حقيقية في تجاوز الخلافات وبناء مستقبل جديد يقوم على الحوار والتعاون.

إيران، التي تعرّضت لضغوط متزايدة نتيجة سياساتها الإقليمية، يمكن أن تستفيد من هذه الفرصة لإعادة بناء الثقة مع الدول العربية. ولكن لتحقيق ذلك، يتعين عليها اتخاذ خطوات ملموسة تظهر التزامها بتحسين العلاقات.

إنهاء التدخّلات الإقليمية

أحد أبرز القضايا التي تعيق تحسين العلاقات بين إيران والدول العربية هو تدخّلها في الشؤون الداخلية لبعض الدول. من لبنان إلى اليمن، لعبت إيران دوراً في دعم جماعات مسلحة أثّرت سلباً على استقرار هذه الدول. إنهاء هذه التدخّلات سيكون خطوة أولى نحو بناء علاقات أكثر استقراراً.

تعزيز الحوار الدبلوماسي

الحوار الدبلوماسي هو السبيل الأمثل لحل الخلافات. يمكن لإيران والدول العربية إنشاء قنوات اتصال دائمة لمناقشة القضايا الخلافية وبحث سبل التعاون في المجالات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وحماية أمن المنطقة.

التعاون الاقتصادي

يمكن للتعاون الاقتصادي أن يكون عاملاً محفّزاً لتحسين العلاقات بين إيران والدول العربية. فتح الأسواق، وتشجيع الاستثمارات المشتركة، والعمل على مشاريع تنموية إقليمية يمكن أن يعزز الثقة ويخلق مصالح مشتركة بين الطرفين.

على إيران أن تدرك أن بناء علاقات جيدة مع الدول العربية ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة استراتيجية. المنطقة العربية تشكّل جزءاً أساسياً من محيطها الجغرافي والثقافي، وأي توتر في هذه العلاقات سيؤثر بشكل مباشر على استقرار إيران نفسها.

لذلك، فإن إيران تتحمّل مسؤولية كبيرة في بناء الثقة مع الدول العربية. هذه المسؤولية تتطلب منها التزامًا حقيقيًا بمبادئ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول، والابتعاد عن السياسات التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار.

إيران بحاجة إلى تبنّي سياسة واضحة تقوم على عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى. هذا الالتزام يجب أن يكون جزءاً من سياستها الخارجية، وأن يظهر في ممارساتها على أرض الواقع.

كما يمكن للثقافة أن تكون جسراً لبناء علاقات أفضل بين إيران والدول العربية. من خلال تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي، يمكن للطرفين بناء تفاهم أعمق يساعد على تجاوز الخلافات السياسية.

ويمكن لإيران أن تكون جزءاً من مبادرات إقليمية تهدف إلى تعزيز التنمية والاستقرار في المنطقة. المشاركة في هذه المبادرات ستظهر التزامها بالعمل من أجل مصلحة المنطقة ككل، وليس فقط لتحقيق مصالحها الخاصة.

إن انتظام العلاقة بين إيران والدول العربية ليس مجرد مطلب إقليمي، بل هو ضرورة لتحقيق استقرار المنطقة بأسرها. التوترات والصراعات التي شهدتها المنطقة في السنوات الماضية أثّرت سلباً على الجميع، وآن الأوان لتجاوز هذه المرحلة وبناء مستقبل جديد يقوم على التعاون والاحترام المتبادل.

إيران، التي تواجه تحديات متزايدة على المستوى الإقليمي والدولي، لديها فرصة حقيقية لإعادة بناء علاقاتها مع الدول العربية. ولكن لتحقيق ذلك، يجب أن تتحمّل مسؤوليتها في احترام الخصوصية العربية، والابتعاد عن السياسات التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار.

التطورات الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك التقارب السعودي – الإيراني، يمكن أن تكون نقطة انطلاق لبناء علاقات جديدة تقوم على الحوار والتعاون. إذا تمكّنت إيران من استغلال هذه الفرصة واتخذت خطوات ملموسة لتحسين علاقاتها مع العرب، فإن ذلك لن يعود بالنفع على المنطقة فقط، بل سيعزز أيضاً مكانتها الدولية ويضمن لها مستقبلاً أكثر استقراراً.

المسؤولية الأولى تقع على عاتق إيران، التي عليها الالتفات لشؤون مواطنيها وهمومهم، وهنا قد يتبدّى الخوف الإيراني من ظهور وتفاقم الأوضاع الداخلية وتأثيراتها على مستقبل النظام.

* محامٍ – دكتوراه في التاريخ السياسي والعلاقات الدولية