IMLebanon

ما تبقّى من مسيحيين لا يتحمّلون نكسات أيهّا السياسيّون المسيحيّون

 

لا يبدو ان المسؤولين والسياسيين اللبنانيين باستثناء «حزب الله وحلفائهم» قلقون بشكل عام  مما يجري حولنا ومستنفرون لمواجهته ودرء اخطاره ولا يظهرون تعاطياً في حجم ومستوى المرحلة لا بل انهم يمارسون سياسة «طمس الرؤوس في الرمال».

ووضع السياسيين المسيحيين ليس افضل لجهة التفاعل مع التطورات الاقليمية والاستعداد لها حتى لا يكون المسيحيون ضحايا حروب جديدة اذا وقعت ولا ضحايا تسويات شاملة اذا عقدت، فتتم على حسابهم ويدفعون ثمنها.

كما إن الطريقة التي يتصرف بها قادة الاحزاب المسيحية والطبقة السياسية المسيحية هذه الايام لا تدل الى انهم واعون تماماً لما هو آت، فهم مأخوذون بلعبة المال والسلطة والنفوذ والمكاسب، فيما المسيحيون تضغط عليهم الاعباء الاقتصادية والمالية وتقض مضاجعهم وتؤرقهم وهم قلقون على المستقبل والمصير، وبدل ان يروا ويسمعوا ويلمسوا ما يطمئنهم ويهدىء من روعهم، لا يجدون الا خطابات وشعارات ممجوجة  تنقص من معنوياتهم وثقتهم بالمستقبل وبالسياسيين معاً…

ما يدفعنا الى هذا الكلام هو ما يجري اليوم على الساحة المسيحية والذي لا يدعو الى الارتياح ابداً، فبدل ان نرى تقدماً الى الامام على صعيد المصالحات والاتفاقات وتعميم الاجواء الايجابية فإننا نرى تراجعاً الى الوراء.

وبصراحة اكثر نقول انه عندما توصل الحزبان المسيحيان، «التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية» الى اتفاق المصالحة في معراب هلل المسيحيون واستبشروا خيراً، والاهم من ذلك ان اتفاق «التيار والقوات» طوى صفحة الماضي السوداء و بدد اجواء الحقد والكراهية ونشر ثقافة المصالحة والحوار والتسامح وعلقت عليه امال عريقة في فتح صفحة جديدة وفي اطلاق مرحلة جديدة…

ولكن ما يحصل منذ فترة يزرع الشكوك والهواجس ازاء خطر حصول انتكاسات جديدة في الوضع المسيحي تؤدي الى خيبة جديدة في وقت لا يحتمل المسيحيون خيبات واخطاء جديدة واي عودة الى الوراء.

عندما اعلن اتفاق معراب بين «التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية» كنا اول من صفق لهذا الانجاز واول من دعا الى توسيع بيكار المصالحات والاتفاقات ليشمل كل القوى والاحزاب المسيحية حتى لا يشعر احد انه مستهدف او مهمش وغير مرغوب به.

وطالبنا بضرورة ان يشمل هذا المناخ التصالحي «حزب الكتائب وتيار المردة» وفق الصيغة التي انطلقت بها بكركي في رعايتها لاجتماعات التنسيق والتشاور بين «الأقطاب الموارنة» لان الساحة المسيحية غنية بتنوعها وتعدديتها السياسية والحزبية والعائلية والمناطقية ولا يمكن ان تحكمها ثنائيات مهما بلغت من قوة شعبية.

وبدل ان تتسع دائرة المصالحات والتفاهمات سارت الامور في اتجاه اخر وولدت انقسامات وخلافات جديدة على الساحة المسيحية:

الخلاف اشتد بين «المردة والتيار الوطني الحر» وحدث انقطاع في العلاقة، كما اشتد الخلاف ايضاً بين «الكتائب والقوات» رغم ما يجمعهما من تاريخ ووحدة قضية ومبادىء، والأمور لم تقف عند هذا الحد وانما تطورت نحو الاسوأ مع عودة العلاقة بين «التيار والقوات» الى زمن الخلافات وتقاذف كرة الاتهامات والمسؤولية وتبادل الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى درجة التذكير بما كان يحصل سابقا من طغيان المصالح الذاتية على الهموم الوطنية ومن انتشار ثقافة العنف السياسي العشوائي وعودة أجواء الكراهية والسجالات الفارغة والمستندة الى انتصارات وهمية في انتخابات جامعية لا تقدم ولا تؤخر أو الى مكاسب وهمية في تعيينات ومراكز.

لسنا هنا في مجال تحديد المسؤوليات وتسمية الجهة التي تتحمل مسؤولية وصول الأمور الى ما وصلت اليه ولسنا معنيين بتحديد مكامن الخلل في أساس الاتفاق أو في تطبيقه ومن أخلّ به ولم يلتزم تعهداته أو من بالغ في تضخيم هذا الاتفاق وفي البناء عليه وتحميله أكثر مما يحمل.

نحن معنيون بالنتائج المترتبة على هذه الانتكاسة وعلى انهيار الانجاز الأبرز الذي تحقق مسيحيا، وهذه النتائج ستكون كارثية لأن هذا التعثر المسيحي يحدث في ظل تطورات بالغة الأهمية تجري في دول الجوار وتدق الباب اللبناني وتستدعي بالمسيحيين أن يكونوا موحدين وعلى أهبة الاستعداد وفي حال جهوزية سياسية فيما هم منصرفون الى شؤونهم ومصالحهم وأصبحت لعبتهم وتطلعاتهم ضيقة ومحدودة وبدل الجلوس الى طاولة واحدة للتباحث في مستقبل لبنان، ودور المسيحيين في الوطن الرسالة وفي كل الملفات والقضايا التي تعني المسيحيين وتشكل مصدر قلق وخطر لهم من مسائل النازحين واللاجئين والتوطين الى مسائل النزاعات والصراعات الدينية والسياسية والتقسيم فاننا نرى الأحزاب والقوى المسيحية تخطئ في ترتيب الأولويات فتضع في أسفل اللائحة القضايا الكبرى وتعطي من وقتها وجهدها الكثير للشؤون والتفاصيل الصغيرة وأحيانا كثيرة من باب «التمريك» والمزايدة وتسجيل النقاط.

إنّ مسؤولية القيادات المسيحية في هذه المرحلة كبيرة وتاريخية، وهم مدعوون ومن دون تأخير الى وقف هذا الانحدار في المناخات والسلوكيات السياسية العامة والى اعادة تركيز الوضع المسيحي على الاسس التي انتجت رئيسا وحكومة متوازنة وقانونا انتخابيا أكثر عدلا وتكافؤاً والى التحضير للاستحقاقات القادمة ليس فقط على مستوى الانتخابات النيابية التي ليس من الضروري في ظل القانون الجديد أن تخاض بموجب لوائح مشتركة وأن تكون التحالفات السياسية تحالفات انتخابية أيضا، وإنما على مستوى أحداث المنطقة التي تتحضر فيها الأحزاب والقيادات الاسلامية في لبنان لتوحيد الصفوف والمواقف وكل في نطاقه الطائفي والسياسي وهذا ما يجب أن يفعله المسيحيون فلا يكونون غافلين عما يجري ولا مغفلين ولا مقصرين في استيعاب  المتغيرات واللحاق بها.

من هنا ليعلم السياسيون والزعماء المسيحيون أنّ عليهم أن يتحركوا سريعا لتدارك الأسوأ ووقف الانهيار الذي بدأ لأنّ الوضع المسيحي لا يحتمل العودة الى الوراء والى ما قبل العام 2016 ولأنّ المسيحيين شارعا ونخبا ورأيا عاما أعطوهم فرصة ثانية وكانت الأخيرة وليسوا على استعداد لاعطائهم فرصة ثالثة ولا هم على استعداد للدخول من جديد في حقل تجارب وأخطاء وخيبات وصراعات جديدة، وانما يتحيّنون فرصة الانتخابات النيابية القادمة ليقولوا كلمتهم ويحاسبوا ويصدروا أحكامهم على كل من اعطوهم الفرصة تلو الاخرى.

في الختام اتوجه الى قادة الاحزاب المسيحية خصوصاً والسياسيين المسيحيين عموماً لاقول هل تفكرون في مستقبل ووجود ما تبقى من مسيحيين في لبنان والمنطقة؟ وإذا لم يعد للمسيحيين دور وحضور في لبنان على من ستكونون «قيادات» ايها «القيادات» ؟ اللهم اشهد اني بلغت.