IMLebanon

خطر انفلاش «داعش» تزامناً مع الاحتقان السعودي ــ الإيراني

أجواء التهدئة المحلية الداخلية وتجدّد الحوارات الثنائية والموسعة وتفعيل العمل الحكومي، تضفي على الوضع الداخلي مزيداً من الاستقرار، في مواجهة عوامل مقلقة إقليمياً، من الاحتقان السعودي الايراني الى تمدد تنظيم «داعش»

لم يأت انفجار إسطنبول إلا ليصبّ على النار المشتعلة في الشرق الاوسط مزيداً من الزيت، ويضاعف الخشية من أن تكون دول المنطقة، ومنها لبنان، مقبلة على أوقات عصيبة. والكلام عن مخاوف أمنية محلياً ليس كلاماً في الهواء ولا مجرد تخمينات، بل هو نتيجة المعطى المستجد إقليمياً، إن لجهة تردّي العلاقة السعودية ــ الايرانية، وإن لجهة ما تصفه مصادر سياسية مطلعة بخطر «انفلاش» تنظيم «داعش».

بدأت الحرب السورية تفرز نوعاً جديداً من المشاكل الامنية والتداعيات المباشرة والمختلفة بنوعيتها عمّا أنتجته حتى الآن من انعكاسات سلبية في دول المنطقة وصولاً الى أوروبا، وأزمة النازحين السوريين وما بدأ يثيره وجودهم كلاجئين في دول أوروبية، على غرار ما يحصل في ألمانيا منذ أيام، وما يجري من توقيفات يومية في لبنان على ارتباط بتنظيمات سورية أصولية. فالخلاف السعودي ــ الايراني التقليدي لم يصل الى هذا الحد من التشنج والاحتقان إلا على خلفية رؤية النظامين المذكورين لمستقبل سوريا والرئيس السوري بشار الاسد كأحد الاسباب الرئيسية لخلافهما. فرغم أن ما يجري من ترتيبات سورية ومن حوارات ومن تغيير ديموغرافي وجغرافي في أجزاء من سوريا بات يشغل جميع المتتبعين لمسار هذه الحرب، ظل مصير النظام السوري الشغل الشاغل للمملكة العربية السعودية، التي لا تزال مصرة على إسقاطه، الى أن وقع الانفجار الاخير بين الرياض وطهران، في شكل لا يمكن معه الحديث عن تسوية أو ترطيب للعلاقات في وقت قريب، بعدما وصل الخلاف بين الطرفين الى مرحلة لم يبلغها منذ سنوات.

لكن، رغم هذا التصعيد، من الأكيد أنه لن يتخطى السقف الذي يرسمه البلدان، ما يعني أن لا حرب سعودية ــ إيرانية، كما بات معروفاً، بالمعنى العسكري المعروف. لكن عدم نشوب حرب مباشرة لا يعني أن الرياض وطهران لا تجمعان أوراقهما وتعدّان العدة وتستنفران حلفاءهما والمجموعات التابعة لهما، لنوع مختلف من الصراع في الساحات الخاضعة لنفوذهما، وحيث يمكن للمواجهة غير المباشرة بينهما أن تصبح حادة وقاسية. وهذا الامر بات يشكل عنصراً أساسياً في اهتمام العواصم الدولية المعنية بأزمة المنطقة. فاستناداً الى أن كل طرف يعرف تماماً مكامن ضعف الآخر وقوته، يمكن القول إن الاجواء المتفجرة ستخيّم مجدداً على ساحات التجاذب الاقليمية، وفق ما بدأت تشهده هذه الساحات من تصعيد تدريجي كلامي وعسكري وأمني. ولأن هذا المعطى مقلق الى حدّ كبير بالنسبة الى الاطراف اللبنانيين، ولأن تركيبة لبنان تختلف عن تركيبة الدول التي يتوقع لها أن تشهد مزيداً من تأزم العلاقات السعودية ــ الايرانية، كتب للحوار بين المستقبل وحزب الله أن يستأنف، وأن يغض الطرفان النظر عن كل كلام حاد صدر من كليهما، تفادياً لمزيد من التشنج، وأن يُعمل في المقابل على إعادة تفعيل الحكومة ولو في شكل مدروس، لإضفاء مزيد من طابع الاستقرار السياسي وتغليبه على أي احتمالات لإعادة توتير الوضع الداخلي.

فالخطورة المزدوجة التي تكمن في ضرورة رفع مستوى التأهب السياسي والامني أيضاً، هي في أن ترجمة التصعيد السعودي ــ الايراني واستكمال عدة المواجهة بينهما، عبر حلفائهما، يترافقان حالياً مع ما يقوم به «داعش» من انفلاش على أرض الشرق الاوسط. فما حصل في تركيا، وقبله في باريس، يؤكد أن ثمة متغيرات في أداء هذا التنظيم، قد يضاعف من مخاطره الموجودة أساساً منذ صعوده المطّرد. فحتى الآن، كان «داعش» يبني تركيبته ويوسّع إطار انتشاره على أساس «الهجرة» التي يدعو اليها الى أرض الخلافة. وهو ما كان عند انطلاقته سبب اختلافه عن فكر «القاعدة» التي كانت تدعو مناصريها الى البقاء حيث هم منتشرون وتنفيذ عمليات حيث يقيمون. لكن ما نشهده حالياً، من تضييق عسكري مختلف الاتجاهات، براً وجواً، على التنظيم، يمكن أن يكون سبباً في تمدده الى دول أخرى والى التوسع والقيام بعمليات وتجنيد مناصرين خارج إطار «داعش» الجغرافي. وكلما ازداد الحصار على هذا التنظيم، يخشى أن يرتد على دول الجوار، كما حصل في تركيا أخيراً. لكن الخوف بالنسبة الى لبنان يبقى كبيراً؛ فعدا عن كونه إحدى دول الجوار التي يمكن أن يتمدد اليها التنظيم، كما يسعى منذ شهور، قد يستفيد التنظيم أيضاً من التشنج السنّي ــ الشيعي، ليضاعف من أسباب دخوله على خط الساحة اللبنانية، إضافة الى وجود أرضيات صالحة لهذا التمدد في بعض البؤر الامنية وتجمعات سكنية لبنانية وسورية، موضوعة تحت المجهر الامني المحلي والخارجي.

من هنا تكمن أهمية التهدئة الحالية على أكثر من جبهة محلية داخلية، لأن الجميع في سباق مع الوقت. فما يرد من معلومات وتقارير تتعلق بما يجري في الدول المجاورة من تطورات أمنية وعسكرية، يضاعف من مؤشرات الاستفاقة الداخلية على وجوب التعامل بجدية مطلقة مع الاحداث بما يوازي خطورتها وتأثيراتها على مستقبل لبنان.