IMLebanon

مشهد «النيابية» عام 2018 يتبلور مع المشهد الميداني السوري…

يقف لبنان في مرحلة التغييرات على مفترق طرق صعبة ووعرة أحيانًا كثيرة في تضاريسها وتعرجاتها، وصفها دبلوماسي مخضرم بأنها مرحلة المخاض، يسير فيها الأفرقاء جميعهم نحو الحقيقة الجديدة وعنوانها شرق أوسط جديد.

بالنسبة إلى اللبنانيين يتوازى البحث عن ماهيّة هذا الشرق الأوسط الجديد، مع ماهية لبنان الجديد. ذلك أن التفاصيل المكوّنة للأحداث تمتمات تنسكب فيها الماهيّة الكبرى بمحتوياتها ومكوناتها، فيتألّف بها السياق السياسيّ الجديد. ينطلق بعض المراقبين أمام هذا التماهي الجديد من مجموعة ملاحظات تمّ تدوينها كمعطيات راسية وراسخة، ولم تدوّن لمجرّد التأمّل والاستكانة النظرية في دائرة المشهد-الحدث، بل للتفاعل بها والتعاطي معها بأساليب مستشرفة ومتوثّبة تحوي في انكشافها (إذا ما انكشفت) ذلك التوازن المحجوب حتى الآن، فيؤدّي التوازن إلى الفهم المجرّد، والتخلّي عن الصراخ، والتحرّر من الانفعال، والاتجاه إلى المنطقة الوسطيّة ولا يقصد بالرماديّة بل يقصد بها المنطقة الوسطية المتسربلة بوشاح لونه يجيء من الحائكين والصابغين. فلا يسوغ تقبّل اللون بالمطلق ورفضه بالمطلق كأنه منزل على فريق من اللبنانيين، بل التفاعل معه كشريك قادر على إبراز ما يمكن إبرازه من تعديلات، فلبنان بتاريخه كلّ تاريخه غير مغلق على التطورات ولكنه يتجّه بها وأحيانًا تتجه به، ذلك أنّه جزء من كلّ.

من الواضح حتى الآن وبحسب الدبلوماسيّ المخضرم، بأنّ مشهد الانتخابات النيابيّة بتحالفاتها لن يكون معصومًا عن التكوين الجديد للمنطقة، ويعتقد هذا الدبلوماسيّ بأنّ معظم الأحزاب والقوى السياسيّة المعنيّة بالانتخابات لا تزال تقف موقف المتأمّل والمتلقّي ولم تدخل بعد مرحلة التفاعل والقرار. ويعتقد بأنّه من المبكر أن تولد التحالفات قبل بلوغ سوريا على وجه التحديد كمال الحسم الميدانيّ فمن الميدان وبحسب تعبير للسفير الروسيّ في لبنان ألكسندر زاسبيكين تولد التسوية السياسيّة. الخلاصة الواضحة بهذا الشقّ بأنّ الإشارة إلى التحالفات الانتخابية تبقى مجرّد روايات تنسجها المخيلات فيما الواقع بأن سوريا رحم الولادة اللبنانية الجديدة.

من العلامات السورية الجديدة والمنتظرة، المهيمنة بلحظوياتها على لبنان والمنشطرة فيه بحسب الديبلوماسي المخضرم:

1-الحسم الميدانيّ في عرسال وبعده عمليتا «فجر الجرود» وإن «عدتم عدنا». فقد أظهر الحسم في المنطقتين، الحاجة السوريّة إلى لبنان والحاجة اللبنانيّة إلى سوريا وقد تفاعلت الحاجة بالتعاون والتنسيق بين الجيشين اللبنانيّ-السوريّ والمقاومة بينهما. تؤكّد بعض المعطيات الواردة بأنّ هذا التنسيق لم يسر بعكس الطريق المرسومة، بل قد تجلّى بفعل فهم واضح بأنّ النظام في سوريا وعلى رأسه بشار الأسد حجر زاوية للمرحلة الجديدة بين لبنان وسوريا. والفهم بات متشعّبًا في الدوائر الأميركية والأوروبية، وقد بدأ الخليج العربيّ وعلى رأسه المملكة العربيّة السعوديّة يتعاطى معه كأمر واقع (مرغم أخوك لا بطل)، وهنا لفت المراقبون بأنّ الحسم وإن جاء بقرار مشترك سوريّ-لبنانيّ قاده أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله شخصيًّا ومباشرة مع الرئيس بشار الأسد، لكنّه استشرف الخطوط المتجمعة ضمن هدف جليّ تحرير سوريا والعراق ولبنان من الإرهاب، وهو قرار دوليّ، يستتبعه هدف ظاهر في متن التكوين السوريّ الجديد، بقاء الرئيس بشار الأسد وقد تأكّد بأن أيّة تسوية لا يمكن لها أن تتجسد وتترسّخ إلاّ به ومعه ومن خلاله كائنَا ما كان شكل هذه التسوية.

2-زيارة الوزراء إلى سوريا، لقد تبيّن بفعل البحث والتدقيق بأن فريقًا سياسيًّا وعلى رأسه القوات اللبنانيّة ينظر إليها بريبة وغرابة. ويرى مصدر في القوات اللبنانيّة بأنّ اتجاه الحكومة نحو التطبيع مع سوريا قد يقود إلى انفراط عقدها وبلوغ البلد نحو أزمة سياسية حادّة. ويتساءل المصدر القواتيّ عن سر تلك الزيارة وأسبابها في هذه اللحطة بالذات ولماذا لم يكن أحد متحمّسًا لها من قبل؟ ويستطرد قائلاً هنالك من يسعى دومًا لقيادة لبنان سياسيًّا نحو سوريا وإجراء تطبيع سياسيّ معها. والقوات اللبنانيّة تعارض هذا التطبيع، والأفضل إبقاء الوضع على ما كان عليه وليس الذهاب إلى ما هو أبعد قبل معرفة ما ستبلغه الأوضاع في المنطقة.

على هذه الفكرة أضاء مصدر سياسيّ، متسائلاً عن سبب الخوف من اللقاء مع سوريا، ولبنان على علاقة دبلوماسية وأمنية معها، ويذكّر على سبيل المثال كيف أنّ وضع لبنان تدحرج حين قرّر خالد العظم إغلاق الحدود مع لبنان فكانت النتيجة سيّئة على كلّ المستويات. ويذكّر هذا المصدر بأنّ الخليج العربيّ الممزّق بنيويًّا وذاتيًّا توّاق جدًّا لفتح علاقة جديدة مع السوريين، وثمّة اتصالات غير معلنة تحصل بين الجانبين السوريّ والسعوديّ وبنتيجة ذلك وبفعل الضغوطات التي تمارسها موسكو طرح عادل الجبير سؤالاً على منصات المعارضة في موسكو والقاهرة والرياض وتركيا، كيف يمكن التعامل مع بشار الأسد في المرحلة المقبلة، ولم يعد يتطلّع كالعادة إلى الانقلاب عليه، وكأنّ الجبير يشير إلى أنّ أوان التسوية قد بدأ بعد احتراق معظم الأوراق في سوريا. ويسأل المصدر السياسيّ إذا كان السعوديون بدأوا باتصالات غير معلنة ويتجهون إلى لحظة التسوية في سوريا بالسؤال الموجّه من قبل الجبير، أفلا تنتمي زيارة الوزراء اللبنانيين إلى تلك اللحظة الجديدة التي ينتظر أن تتأسّس في سوريا بعد الحسم الميدانيّ؟ 

إستتباعًا لكلّ ما ورد، يرى عدد من المراقبين بأن انتظار اللحظة السوريّة الجديدة المتجسدة بلا حراك واستشراف ليس لمصلحة اللحظة اللبنانيّة. بل على العكس تمامًا فإنّ التواصل اللبنانيّ-السوريّ مفيد تمامًا بمقدار التواصل اللبنانيّ-السعوديّ الذي يقوده الرئيس سعد الحريري. هذا التوازن في التواصل أساسيّ وضروريّ ولا يتخذ صفة التبعيّة بل يتخذ صفة وطنية. ويؤكّد هؤلاء بانّ السعوديّة وإيران بدآ حالة من التواصل وهما متجهان لمباحثات جديّة طبقًا لنصيحة روسية ودولية أسديت للسعوديين بضرورة الاتعاظ من النتائج في الساحات الملتهبة سوريا والعراق واليمن، والبحرين وأخذ العبر وعدم التوغّل في حرب ستكون المملكة الحلقة الأضعف فيها. ويكشف هنا السفير الروسيّ ألكسندر زاسبيكين بأنّ وفدًا حكوميًّا سيزور موسكو برئاسة  الحريري للبحث في العلاقات المباشرة بين البلدين، وتوقيع اتفاقات اقتصادية ونفطية، وسيتم خلالها استعراض للواقع السياسيّ اللبنانيّ وللواقع السوريّ، والقيادة الروسيّة على أتمّ الاستعداد على الرغم من التناقض بينها وبين المملكة العربية السعودية حول المسألة السورية لتسهيل الحلول وتسييلها باتجاه توحيد المعارضة مقابل المزيد من المرونة في الخطاب السياسيّ تجاه سوريا وإيران. وسيسمع الحريري الرؤية الروسيّة الجديدة ذلك أنّ مصلحة لبنان ومصلحة الأفرقاء فيه أن لا ينغلقوا على اللحظة الجديدة بل أن ينفتحوا عليها بحكمة وهدوء ورحابة.

إلى أين من هنا؟

ثمة تعبير للرئيس حسين الحسيني قاله أمام أصدقاء له كانوا يقـدمون إليه واجب العزاء في مناسبة وفاة أخيه، «إنّ التجربة اللبنانيّة بكلّ ثقلها وبمراحلها المختلفة والمتنوعة دلّت بأن الكلّ بحاجة إلى الكلّ بلا انفصام ولا انفصال» وفي واقع الأمور الكلّ كان بحاجة إلى الكلّ في زمن الحروب، والكلّ بحاجة إلى الكلّ في زمن التسويات الكبرى منها أو الصغرى، ومن يخرج يلفظ خارج كلّ اللحظات وليس خارج لحظة واحدة. لا يسري هذا الكلام على الحالة اللبنانية بل هو راسخ بدوره في سوريا، «حيث الكلّ بحاجة إلى الكل»، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنّ الفرق بين لبنان وسوريا في زمن الحرب بأنّ الشرخ بين الكليّات والجزئيات كان عميمًا بعكس الواقع اللبنانيّ.

وفي التـسوية السوريّة ستتقابل الكليّات وتلحق بها الجزئيّات فيما الثابت تبقى الدولة السورية برئاسة الأسد إنما بحلة جديدة تتوازن مع تلك الكليات. الحسم الميداني سيقود حتمًا نحو ترسيخ تلك الرؤية.

 

التسوية اللبنانية في الانتخابات بتحالفاتها ستثبت من جديد ما قاله الرئيس الحسيني بأنّ الكلّ بحاجة إلى الكلّ. ما سيتغيّر هو الأسلوب في التعاطي. وفي معلومات ترسّبت بعد ان تسربت، بأنّ طلبَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إجراء تحقيق في شأن العسكريين جذريّ وغير متبدّل في السياق اللبنانيّ، وعلى ضوء النتائج، فإنّ التحالفات السياسيّة قد تتبدّل في بعض تفاصيلها، وقد كشف بعضها في بعض المطالعات المقدّمة من جهات عديدة. وعلى الرغم من ذلك فالكلّ بحاجة إلى الكل، تلك هي خلاصة الوضع، أما التحالفات فمن المبكر الإضاءة عليها قبل معرفة كيف سيتبلور الكلّ هنا والكلّ هناك مع آليات التموضع في اللحظة السورية الجديدة والمنتظرة خلف الحدود.