IMLebanon

تهديد جماعة «الهيكل الثالث» سرّع إعلان نقل السفارة إلى القدس

 

لم يسبق أن أحدثت عبارة مؤلفة من ست كلمات ردود فعل غاضبة بحجم ردود الفعل التي أثارها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وهو قرار بالغ الخطورة حرص على تجنبه، مدة سبعين سنة، كل الرؤساء الذين تناوبوا على دخول البيت الأبيض قبله. علماً أن قرار التقسيم الذي صدر سنة 1947 عن الأمم المتحدة لم يحسم وضع القدس وإنما تركه منفصلاً عن سائر القرارات ذات الصلة.

وعلى الرغم من إعلان الكنيست الجزء الغربي من القدس عاصمة لإسرائيل، إلا أن الدول الأخرى رفضت الاعتراف بشرعية ذلك الإعلان، في حين تولى الأردن إدارة شؤون القدس الشرقية منذ حرب 1948. ثم جاءت حرب حزيران (يونيو) 1967 لتبدل كل الأوضاع القائمة في المنطقة، خصوصاً عقب احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وصحراء سيناء ومرتفعات الجولان.

وبعد مدة لا تزيد على ثلاث عشرة سنة، تقدمت إسرائيل (في آب/ أغسطس 1980) من مجلس الأمن بطلب اعتبار القدس الشرقية جزءاً مكملاً للقدس الغربية. ولكن هذا المطلب قوبل بالرفض القاطع. وذكّر ترامب الشعب الأميركي فور إعلان قراره بأن الرئيسين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وعدا الإسرائيليين بتحقيق هذه الأمنية أثناء الحملة الانتخابية. ولكنهما تراجعا عن تنفيذها عندما دخلا البيت الأبيض. وهذا ما دفع بنيامين نتانياهو إلى إغداق صفات الإعجاب والمديح على رئيس وصفه بالجرأة والانحياز إلى المواقف العادلة.

أثناء توقيع القرار، حاول ترامب التخفيف من وقعه على الفلسطينيين، مدعياً أنه بذل أقصى جهده من أجل التوصل إلى اتفاق سلام يوقف النزاع ويمنع المواجهة في المستقبل. وعلق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على هذا الادعاء بالقول: «إن الرئيس الأميركي دمّر كل فرص الحل والسلام».

على صعيد آخر، اتفق أعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح» على إلغاء حقبة تاريخية بدأت في أوسلو سنة 1993. كما اتفقوا أيضاً على تجسيد الدولة الفلسطينية على أرض الضفة الغربية بعد مطالبة الأمم المتحدة بضرورة إرسال فريق يتولى رسم حدود الدولة الفلسطينية مع عاصمتها القدس الشرقية.

يؤكد المتتبعون للخطوات السياسية التي أقدم عليها ترامب بالتعاون مع صهره المقرّب جارد كوشنر أن الرئيس سيصل في نهاية الأمر إلى هذا المنعطف. والسبب أنه يتبرع بسخاء مع هذا الصهر الصهيوني المنحى، لتمويل بناء المستوطنات على الرغم من معرفتهما أنها تشيّد بطريقة غير قانونية.

والملفت أن وزير الإسكان يوآف غالانت أعلن الأسبوع الماضي عن مخطط لبناء 14 ألف وحدة استيطانية في القدس بينها سبعة آلاف وحدة استيطانية فوق أرض القدس الشرقية.

من هنا حرص القيادات الفلسطينية على تحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. وهي حالياً تراجع الخطوات العملية التي اتبعها المجتمع الدولي من أجل الاعتراف باستقلال كوسوفو.

والثابت أن الرئيس ترامب حاول إحياء هذا المثال على القضية الفلسطينية لولا معارضة صديقه السفير الصهيوني الأميركي ديفيد فريدمان.

في زحمة الاجتهادات التي رافقت هذا القرار، يميل بعض المحللين إلى تفسير يؤكد رغبة ترامب في أن يكون صادقاً مع وعده الانتخابي، وأن يطمع في أن يكون أول رئيس يحطم «التابو» خلال عشرين سنة. أي المدة التي شهدت تردد عدة رؤساء يتمنعون عن تبني قرار الكونغرس الذي طالب بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وترى صحيفة «معاريف» أن قرار نقل السفارة إلى القدس ليس أكثر من لغم سياسي قد ينفجر برئيس الحكومة نتانياهو. والسبب، كما صورته الجريدة، أن ترامب أعطى إسرائيل القدس الغربية كثمن لإخراج تعقيداتها من دائرة المفاوضات. في حين قد يعطي محمود عباس دولة فلسطين، شرط عدم المساس بالكتل الاستيطانية. وعندما تصل المحادثات إلى مرحلتها النهائية، تُعلن القدس الشرقية مدينة مفتوحة لمعتنقي الديانات الثلاث. وفي حال تحقق هذا الأمر، سيصار إلى إخراج القدس الشرقية من دائرة التفاوض، بحجة أنها لم تعد جزءاً من الأراضي المحتلة.

على الجانب الخفي من قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، يكمن وضع آخر ليس له علاقة بالسياسة والمفاوضات. إنه وضع ناجم عن معتقدات راسخة بأن أورشليم ستشهد استقبال المسيح في ظهوره الثاني. وهذا ما تؤمن به جماعة المسيحية الصهيونية، أو الأصولية الإنجيلية. ويفاخر نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بأنه من دعاة هذه الديانة، وأن اختياره لهذا المنصب جاء بناء على إحصاء الأعداد المنتمية لهذه المجموعة الدينية.

وفي خطاب ألقاه نائب الرئيس بنس عقب إعلان نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، أوحى بأن علاقة الشعبين الأميركي والإسرائيلي لا تماثلها أي علاقة بين أي شعبين آخرين. ووصف دولة اليهود بأنها قلعة الديموقراطية، وحليف أساسي في منطقة غريبة. وقد حرص أثناء توقيع القرار على أن يقف وراء الرئيس وهو يبتسم ابتسامة النصر. كل هذا لاعتقاده بأن قرار ترامب سيقرب فترة بناء الهيكل الثالث في الحرم القدسي الشريف.

تقدر مكاتب الاستفتاء في الولايات المتحدة أن عدد أفراد جمعيات الهيكل اليهودية يزيد على عشرين في المئة من عدد الناخبين. وقد رعاهم الرئيس السابق جورج دبليو بوش، بحيث أنهم كانوا يستخدمون صورته للتعبير عن اقتراب موعد المسيح المنتظر. كذلك واصلوا دعمهم للحزب الجمهوري، الأمر الذي جعلهم ممثلين في الإدارة والكونغرس.

وكان من الطبيعي أن تنضوي هذه القوة الشعبية المتزايدة تحت لواء «اللوبي اليهودي» الذي مثّل الشريك الكامل لصانعي القرار في البيت الأبيض ومختلف الإدارات الرسمية. ولم يحدث في التاريخ الأميركي أن امتلكت قوة أجنبية حجم النفوذ الذي امتلكه «اللوبي اليهودي» المعروف بتدخله السافر في سياسة الولايات المتحدة. ويبدو أن العبارة المبهمة التي استخدمها الرئيس ترامب أثناء إعلان قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس… هذه العبارة خضعت للتأويل والتفسير لأنها لم تحدد أي القدسين يعني!

اليمين الإسرائيلي اعتبر أن الرئيس يعني القدس الموحدة بشقيها الغربي والشرقي، بينما ادعى اليسار أن ترامب يعني القدس المحتلة عاصمة إسرائيل. وعلى هامش هذا التباين في تفسير العبارة المبهمة عن قصد، قال نتانياهو إن «وعد ترامب» لا يساويه في الأهمية سوى «وعد بلفور». وقد فتحت هذه العبارة أمام الصحف الإسرائيلية نقاشاً يتعلق باختيار أفضل رئيس أميركي خدم إسرائيل!

جاء في طليعة القائمة الرئيس هاري ترومان الذي سمح لمئة ألف يهودي بالهجرة إلى إسرائيل. واعتُبر ذلك القرار في حينه تحدياً سافراً للحكومة البريطانية التي جمدت الهجرة بتوصية من حزب العمال بقيادة كليمن آتلي وإرنست بيغن.

ومع أن ترومان في حينه غلف قراره بمبررات إنسانية، إلا أن الحقائق التي كشفتها الصحف أكدت أن أحد أثرياء اليهود تبرع لحملته الانتخابية بمبلغ خمسين ألف دولار. ويقال إن هذا المبلغ كان كافياً لتقريع السفير الأميركي في تل أبيب عقب حرب 1948. والسبب أن السفير حاول التدخل لمنع تمدد القوات الإسرائيلية خارج الحدود المرسومة لدولة إسرائيل. ولما علم ترومان بتدخل سفيره، اتصل به هاتفياً، ونهره بلغة بذيئة، قائلاً: «يا ابن العاهرة… كف يدك عن هذه المسألة».

وهكذا حصل ترومان على مركز الصدارة لدى الإسرائيليين الذين وجدوا في انحيازه إلى جانبهم ضمانة سياسية لهجرة مئة ألف يهودي والاحتفاظ بأرض إضافية احتلتها إسرائيل في حرب 1948.

الرئيس الثاني الذي فاز بموقع مهم في نظر الرأي العام الإسرائيلي كان لندون جونسون. كل هذا بسبب دعمه العملي والمعنوي قبل وبعد حرب 1967. ذلك أنه وافق على إرسال ألف طيار أميركي من أصول يهودية للمشاركة في الغارات الجوية على مطارات مصر وسورية والأردن.

وفي كتاب أصدره دونالد ناف، رواية عن وقوع جونسون في غرام زوجة مخرج من هوليوود، تعمدت إسرائيل إرسالها إلى البيت الأبيض يوم قررت شن الهجوم المباغت. وقد استغلت القيادة العسكرية الإسرائيلية انشغال جونسون وزوجته بالترفيه عن الضيفة الحسناء لتبادر إلى شن هجوم مباغت كان الرئيس مصراً على تأجيله.

وتعتبر الغالبية الإسرائيلية أن سكوت جونسون عن التجاوزات التي ارتكبها موشيه دايان واسحق رابين تؤهله ليكون الصديق الأول لدولة اليهود التي ضمت إلى سيادتها صحراء سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان والقدس الشرقية.

بعد اعتراف دونالد ترامب بأن القدس ستكون عاصمة إسرائيل ارتفعت أسهمه بشكل ملحوظ، ولو أن عملية الانتقال تحتاج إلى سنتين قبل تنفيذ مشروع بناء السفارة. وهي حالياً موجودة في شارع «هيركون» في تل أبيب.

ردود الفعل العربية والإسلامية على إعلان ترامب لخصتها القمة الإسلامية الطارئة في إسطنبول يوم الأربعاء الماضي. وجاء في البيان الرسمي دعوة المشاركين للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وهو حل يماثل حل كوسوفو وقبرص التركية، شرط أن تتعاون دول الاتحاد الأوروبي في القيام بدور الراعي الأميركي!