IMLebanon

كلام المطران حنا يتفاعل.. «ما هدف توقيت الحملة على الراعي»؟

 

ليست المرة الأولى التي يُعبّر فيها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن قلقه من استمرار الحرب في العراق وسوريا وتداعياتها على لبنان لجهة النزوح السوري الكثيف اليه، وما يعانيه لبنان، حكومة وشعباً جرّاء إقامة النازحين السوريين على أراضيه منذ العام 2011، فضلاً عن استضافة لبنان للاجئين الفلسطينيين «بشكل مؤقّت» منذ العام 1948. وما أعلنه الراعي أخيراً خلال جولته في الولايات المتحدة الأميركية أنّه «بالنسبة الى الذين لجأوا الى لبنان من سوريا، وهم أكثر من مليون ونصف، ومع الفلسطينيين أصبحوا نصف الشعب اللبناني، فقد باتوا عبئاً كبيراً على لبنان بل خطراً ديموغرافيا واقتصادياً وسياسياً وثقافياً وأمنياً. وأصبحت عودتهم واجبة الى الأماكن الآمنة في سوريا، من دون أن نتخلّى نحن عن تضامننا الإنساني معهم والإجتماعي مع قضيتهم»، يصبّ في الإطار نفسه، بحسب مصدر كنسي متابع، متسائلاً عن سبب الحملة التي تشنّ حالياً على تصريحات البطريرك الراعي لا سيما من قبل رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطالله حنّا.

وإذ أطلق المطران حنا تسجيلاً صوتياً ذكر فيه أنّ «تصريحات البطريرك الراعي مرفوضة من قبلنا جملة وتفصيلاً، وهي لا تُمثّلنا كمسيحيين عرب وكمسيحيين مشرقيين، ولا تمثّل القيم المسيحية على الإطلاق»، مبدياً استغرابه منها ومتسائلاً ما هي خلفيتها وما هو سببها، ومشيراً الى أنّها «مسيئة ليس فقط الى السوريين والفلسطينيين الذين يعتقد البطريرك الراعي أنّهم أصبحوا عبئاً على لبنان، بل إنّها مسيئة للمسيحيين العرب الوطنيين المنتمين لفلسطين وللأمة العربية والمدافعين عن القضايا العادلة لها»، يتساءل المصدر بالتالي عن الأسباب التي تجعل المطران حنا يشنّ اليوم حملة على البطريرك الراعي، علماً أنّ تصريحاته هي هي لم تتغيّر.

وكان دعا البطريرك الراعي في آذار الماضي الى «وقف الحرب في سوريا والعراق لكي يعود اللاجئون إلى بلدانهم، وهذا حقّهم»، مؤكّداً على «أنّ الفلسطينيين هم من صنعوا الحرب في لبنان عام 1975، فلماذا لا يعودون؟». وهذا الكلام وسواه ليس فيه شتيمة، على ما أوضح المصدر الكنسي، بقدر ما هو توصيف للحالة التي يعيشها لبنان من مرجع ديني كبير أعطي له مجد لبنان. وكذلك الأمر بالنسبة للنزوح السوري، فقد ذكر البطريرك أنّنا نتضامن معهم إنسانياً، غير أنّ هذا الأمر لا يُلغي مسألة أنّهم باتوا يُشكّلون عبئاً على وطننا. ولعلّ ما كشفه الوزير رائد خوري في مؤتمره الصحافي الأخير عن أنّ الأزمة السورية كلّفت لبنان منذ العام 2011 وحتى العام الحالي، 18 بليون دولار وأنّ نسبة البطالة وفق الإحصاءات، باتت عند اللبنانيين 30 في المئة، كما ازدادت نسبة الفقر 53 في المئة في الشمال، و48 في المئة في الجنوب و30 في المئة في البقاع، يؤكّد على هواجس البطريرك الراعي من استمرار النزوح السوري واللجوء الفلسطيني لأشهر وسنوات قادمة بعد.

وأفاد المصدر بأنّ ما يُطالب به البطريرك الراعي هو مطلب جميع اللبنانيين الذين باتوا يشعرون بالعبء الإقتصادي والإجتماعي والمعيشي عليهم، وهو يعمل على نقل معاناة شعبه بكلّ جرأة. وما يدعو الى التساؤل هو ردّ المطران حنا الذي يُدافع عن القضايا العادلة للأمة العربية متناسياً حقوق الشعب اللبناني الذي استضاف اللاجئين الفلسطينيين لعقود، واليوم يستضيف النازحين السوريين بكلّ رحابة صدر منذ 6 سنوات.

ولكن إذا كان ثمّة مخطط لتهجير المسيحيين، على ما يرى المراقبون السياسيون، ولا سيما الموارنة من لبنان واستبدالهم من طوائف مختلفة، فإنّ مثل هذا الأمر لا يُمكن السكوت عنه من كلّ المراجع المارونية، سياسية كانت أم دينية وغير ذلك. كما أنّ الدعوة الى عودة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة في بلادهم من جهة، واللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم من جهة ثانية، تدخل ضمن حقّ هذه الشعوب في استعادة أراضيها وعيشها الكريم.

والرهبانية المارونية لطالما كانت ملجأ آمناَ للعديد من الفلسطينيين الذين هُجّروا من أرضهم، على ما أشار المصدر الكنسي، ودافعت عنهم وعن حقوقهم، ولهذا فلا يُمكن اتهامها بأي تقصير أو إهمال أو عنصرية. وإذ تُطالب اليوم على لسان بطريركها بعودة النازحين واللاجئين الى بلادهم، فإنّ مطالبتها هذه لا تضرّ بهم بقدر ما تسعى لتأمين حقّهم في العودة وتأمين البعض من حياتهم السابقة بالنسبة للسوريين، وبالتالي دفع التعويضات المستحقّة للفلسطينيين في أراضيهم المقدّسة مع تحقيق العودة .

وإذا كان المطران حنا يتحدّث من منطلق أنّه على المسيحي استقبال المحتاج وإيوائه، فإنّ المسيحيين الموارنة قد فعلوا ويفعلون ذلك مع إخوتهم في الإنسانية، من الفلسطينيين والسوريين، حتى أنّ الكثيرين بينهم تقاسموا مع اللاجئين الفلسطينيين أولاً، ومع النازحين السوريين ثانياً لقمة العيش لسنوات عدّة. غير أنّ وقوع اللبنانيين في الفقر المدقع، وعدم القدرة على تأمين مستلزمات الحياة الكريمة لأبنائهم جعلتهم يئنّون من الأعباء الملقاة على عاتقهم.

وبرأي المراقبين، إنّ أي شعب في العالم لا يقبل أن يهب أرضه لشعب آخر كهدية على طبق من فضّة من دون وجود خلاف أو حرب بين الشعبين. واللبنانيون المسيحيون، وتحديداً الموارنة منهم، صمدوا  طوال سنوات الحرب، ولم يقبلوا أن يُهجّروا الى كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وكندا دفعة واحدة، على ما كانت تُخطّط بعض الدول الأجنبية، بهدف توطين الفلسطينيين مكانهم. فلماذا يقبلون اليوم بعد أن ضحوّا ودفعوا ثمناً كبيراً طوال سنوات الحرب؟. والحقّ المشروع للشعب الفلسطيني هو حقّ العودة، وقد أقرّه مجلس الأمن في القرار 194 الصادر عنه في العام 1948، وإنّ عدم تنفيذ هذا القرار من قبل الجانب الإسرائيلي، لا يُلغيه ولا ينزع بالتالي حقّ العودة عن الشعب الفلسطيني.

وبالنسبة للنازحين السوريين، فيجد المراقبون أنّهم بعد موافقة الدول الكبرى على وقف إطلاق النار في محافظات عدّة في سوريا، والتزام المتقاتلين به، فإنّ الحلّ السياسي الشامل في سوريا بات قريباً، الأمر الذي يُسهّل مسألة عودة النازحين الى أراضيهم بشكل طبيعي. ومن غير المنطقي أن يبقى هؤلاء خارج بلادهم مع عودة الأمن والاستقرار اليها مهما كانت الأسباب. وهذا يصبّ في مصلحتهم، كما في مصلحة الدول المضيفة التي ستتمكّن رويداً رويداً من استعادة عافيتها على الصعد كافة.