IMLebanon

تفاوت كبير بين الاهتمامات الداخلية وبين الجبهات المتحرّكة في الإقليم

 

طلائع المعارك الإنتخابية والهاجس الذي لم يتبدّد بعد بين الناس حول دقّة الموعد المزمع والذي طال ترحيله للإستحقاق التشريعي نفسه.. مناقشات الموازنة تحت قبة البرلمان بعد أكثر من اثني عشر عاماً على الصرف على القاعدة الإثني عشرية ومن دون موازنة عامة، أي كل فترة ما بعد جلاء جيش الوصاية السورية عن لبنان..

أرقام مقلقة، ودهاليز يضيع المتابع من كثرتها إذا ما خيض النقاش حول الإنفاق وأولوياته وغاياته ووقائعه التي لا تكاد تثار حتى تتشكل بسرعة «جلطة حمائية» لها، وخطابات حول الإصلاح في المالية العامة، وحول الإصلاح بشكل عام، تبدو في حلّ عن خرائط طريق عن السبيل إلى تجسيدها سياسات نافعة ومجدية على أرض الواقع..

بلد تنص مقدمة دستوره على الاقتصاد الحر والمبادرة الفردية والعدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، ويكاد يشهد كل مرفق فيه وكل مضمار على مقدار ابتعاده عن هذه المضامين..فبدل الليبرالية الإقتصادية القائمة على المبادرة الفردية والتنافس المضبوط بالقوانين والمرتبط بحد معيّن من تكافؤ الفرص لخوض السباق، يفرض مبدأ الوكالات الحصرية نفسه تجارة واقتصادة، سياسة وثقافة..وأمناً. وبدل تحويل عملية تحريك الرساميل نحو آفاق استثمارية ذات سمة انتاجية، نعيش في واقع يصبح فيه قسم كبير من المواطنين دائنين للدولة ومديونين بدينها في نفس الوقت. وبدل العدالة الإجتماعية، ثمّة قطاع عام واسع غير معهود بهذا الحجم إلا في دولة تتبنى اقتصاد السوق بالأصالة من نشأتها، من دون أن يترافق ذلك مع حد أدنى من المكاسب الإجتماعية للعدد الأكبر من الناس بمعية هذا القطاع العام المتسع بتراكم المحاصصات من جيل إلى جيل.

يبقى أنّ كل هذه المشاهد المحلية، الإنتظارية للإنتخابات، أو التداولية لأمور الموازنة العامة والأحوال المالية، وما يتصل بالحسابات الإنتخابية أيضاً عند التداول بهذه الأمور، كلّ هذا يبدو في وادٍ، والمنطقة، بما فيه الحزب المدجج بشتى أنواع الأسلحة، «حزب الله»، في وادٍ آخر.. كما لو أنّ كل هذه الإنشغالات المحلّية هي بمثابة «انتظار من نوع آخر» لما هو حاصل في الإقليم.

ليس باستطاعة أحد تظهير الصورة الإقليمية لمنطقة المشرق العربي اليوم بشكل واضح. طبول الحرب تقرع بين اسرائيل وبين ايران و»حزب الله» بشكل غير مسبوق منذ سنوات. زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي شويغو إلى اسرائيل ليست بتفصيل في هذه الصورة، وقد تزامن وصوله مع الاستهداف الاسرائيلي لمضادات سورية. لكن اللافت تلخيص «جيروزالم بوست» للقاء بين شويغو وبين بنيامين نتنياهو. تركيز الجانب الروسي على أن لا تؤدي الاستهدافات الاسرائيلية في سوريا الى تهديد للنظام السوري. أما تركيز الجانب الاسرائيلي فعلى عدم السماح بوجود عسكري ايراني دائم في سوريا. المسائل المتعلقة مباشرة بالبرنامج النووي الايراني، وتداعيات خطاب دونالد ترامب على الاتفاق مع ايران، لم تناقش الا كزوائد على هاتين النقطتين الأساسيتين. يُظهر القسم المعلوم من فحوى اللقاء بين شويغو ونتنياهو كم أنّ النظام السوري «سيّد نفسه» في هذه المرحلة، كما يُظهر تقاطعاً معيّناً بين الروس والإسرائيليين حول مسألة النفوذ الإيراني في سوريا، مع اختلاف في الدرجة و»المآل»، فروسيا ينظر إليها بارتياب عند الايرانيين كما عند الاسرائيليين، مثلما انها مقصد الطرفين بشكل متزايد في الآونة الأخيرة.

يتوازى ذلك مع استمرار الضبابية في السياسة الأميركية حتى بعد خطاب ترامب. وظهر ذلك جلياً في الوضع العراقي، بعد تمكن القوات الحكومية المدعومة من ايران من السيطرة على منطقة المنشآت النفطية في كركوك، ومن محاصرة المشروع الكردستاني وتظهير تناقضاته الداخلية، أيضاً لأن تعجيل هذا المشروع باستفتاء الاستقلال، وبتوسع هذا الاستفتاء خارج اقليم كردستان الى كركوك والمناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية، أدى الى تفاقم هذه التناقضات الكردية بدلاً من ترك المجال لاظهار التناقضات التي كانت أخذت تظهر بين فصائل «الحشد الشعبي»، والى حد ما بين حكومة بغداد وبين ايران.

يتراجع أكراد العراق في كركوك المتعددة القوميات بين كردية وتركمانية وعربية وأشورية، مع صدارة كردية، في حين يسيطر أكراد «قوات سوريا الديموقراطية»، وهو غطاء لـ «حزب العمال الكردستاني» في سوريا بالأساس على مدينة الرقة، العربية بامتياز، بعد أن كانت عاصمة لنظام «داعش». وضع يظهر في شقيه، العراقي والسوري، كم أنّ العجز عن اصلاح ذات البين بين المجموعتين الكردية والعربية قد مكّن التمدد الايراني في الإقليم بشكل غير مسبوق، وشرذم كلاً من هاتين المجموعتين الكردية والعربية أكثر فأكثر.

جبهات غير مستقرة في المنطقة. «حرب مواقع» تشمل شتى الجبهات، وطبول تقرع للحرب الشاملة، «الأبوكاليبسية» التي لا يمكن لأحد أن يقدّر مسبقاً احتمالها من عدمه. أمام كل هذا الوضع يناقش النواب الموازنة، تغطي وسائل الاعلام الاهتمامات الانتخابية. لكن عين الناس الأساسية على ما يجري في الإقليم، وهل ثمة مجال بالفعل لتقليل ارتدادات الرياح الحالية، كما الزلازل المحتملة، على الداخل، وبأية شروط؟ بشكل عام، ثمّة شعور بأنّه ليس هناك ما يمكن فعله الآن. ليس هذا دقيق بالطبع، لكن نخاله يعكس جزءاً أساسياً من الواقع.