IMLebanon

لا سقف زمنيا لولادة الحكومة..  

 

قد يكون من المبالغة القول أن تأليف حكومة ما بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، يدور في حلقة مفرغة بالكامل..

 

كما قد يكون من المبالغة رمي كرة المسؤولية في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري.. خصوصاً وأن ليس هناك في النصوص الدستورية – او غير الدستورية – ما يشير، من قريب او من بعيد، الى سقف زمني معين لتأليف الحكومة خصوصاً وأن تجارب عديدة سابقة دلت على ان لا سقوف زمنية، والمسألة موقوفة على قرار الرئيس المكلف، في ان يبقى او يعتذر..

حتى اليوم، والتكليف لم يمر عليه شهر، ليس هناك ما يبرر القول إن التكليف طال أكثر مما يقتضي، على رغم ان لبنان يواجه جملة تحديات داخلية وخارجية تستدعي من الاطراف كافة تحويل الاقوال الى أفعال، ويبادروا الى سحب العراقيل من أمام ولادة الحكومة العتيدة في أقرب وقت ممكن.

من متابعة التطورات والمواقف، وبعيداً عن »فرصة عيد الفطر« يتبين أن الحديث عن أسباب عرقلة ولادة الحكومة (خلال 24 سنة) يتراكم ويتوزع، وكل فريق يرمي المسؤولية على آخر.. فمنهم من يعزو العرقلة الى الداخل اللبناني، ومنهم من يعزو العرقلة الى الخارج الدولي والاقليمي.. ومنهم من يعزو العرقلة الى تداخل الخارج مع الداخل، حيث تؤكد المعطيات تزاوج الداخل مع الخارج بفعل العلاقات الموزعة على أكثر من محور خارجي تحكمها صراعات تجاوزت حدود الخلافات السياسية الى صراعات مسلحة وحروب ميدانية في أكثر من منطقة لم يبق لبنان بعيداً عنها لاعتبارات عديدة..

بديهي القول، ان الرئيس المكلف سعد الحريري، بات صاحب تجربة، والجميع يعرف صعوبة المرحلة التي يمر بها وقساوتها، والفترة الزمنية لتكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، لم تتجاوز الاربعة أسابيع بعد، وهو الذي عايش أزمات وأزمات.. ويتطلع من حوله فيرى مشهدية لا تنظر الى المصلحة الوطنية ولا تعيرها  أي اهتمام يوازي عشر التطلع بالمصالح الفئوية والشخصية والكيديات المتزايدة..

فتح الحريري قلبه ومدّ يديه الى الجميع، وجرى التوافق مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، العماد ميشال عون ونبيه بري، وما يمثلان، على تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة، ولا تستبعد أيا من الافرقاء السياسيين.. لكن »ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن« فكانت بداية العراقيل من بيت ثنائي المارونية – السياسية المتمثل بـ»االتيار الوطني الحر« و»القوات اللبنانية«، حيث أصرّ رئيس حزب »القوات« على حصة وزارية توازي حجم كتلته النيابية الجديدة (15 نائباً) وهو أمر رفضه »التيار الحر«.. ثم كانت العقبة الدرزية – الدرزية حيث أصر وليد جنبلاط على حصر التمثيل الدرزي بـ»الحزب التقدمي الاشتراكي« كونه يمسك بسبعة من المقاعد الدرزية الثمانية في مجلس النواب، مستبعداً النائب طلال ارسلان.. ناهيك بمسألة مشاركة السنة من خارج »المستقبل« وتمسك »الثنائي الشيعي« (»أمل« و»حزب الله«) بحصرية التمثيل الشيعي.«؟!

لم يجد الرئيس المكلف سبباً للاعتذار عن التكليف، على رغم علمه المسبق بما سيواجهه من عراقيل وشروط وشروط مضادة.. وهو الذي بادر الى جملة خطوات ايجابية باتجاه »الحلفاء« و»الخصوم« لكنه لم يلق من »الشركاء المفترضين« في الحكومة  العتيدة الاستجابة المطلوبة، حتى وأنه لم يتلق من البعض أية اشارات تفيد قبولهم، او تحفظهم او رفضهم للصيغة (»المسودة«) التي أودعها رئيس الجمهورية قبيل سفره الى الخارج..

كان أسهل كثيراً على الرئيس المكلف سعد الحريري، أن يبادر الى تشكيل حكومة من خارج الاصطفافات السياسية  القائمة والمتناقضة (تكنوقراط) ويقدمها الى مجلس النواب، لتنال الثقة او لا تنالها ليقرر في ضوئها الخطوات التالية.. لكنه شاء ان تكون  الحكومة الموعودة، صمام أمان لبنان، في الداخل كما مع الخارج، ولو كلفه ذلك بعض الوقت والمزيد من التنازلات والتضحيات؟!.

الدخول في تفاصيل التفاصيل، بالغ التعقيد حيث تكثر السيناريوات، والرئيس الحريري يسمع العديد من المطالبات، وهو عاكف، خلاف ما يرى البعض، على المضي في خياره الذي أودعه رئيس الجمهورية.. من دون ضمانات كافية بأنه سينجح في وقت قريب، على رغم الدعوات الدولية، بوجوب تحصين البلد وتهيئة الأوضاع لتلقي الاعانات الدولية.. والجميع ينتظر عودته من الخارج، في وقت يتهيأ رئيس مجلس النواب للسفر الى الخارج أواخر الاسبوع الجاري«..

لم تحسم المعطيات المتوافرة بعد، ما سيكون عليه اداء الرئيس الحريري بعد عودته، وما هي الطريقة التي سيسلكها لحسم المواقف، وان كان يتمسك بـ»المسودة« التي أودعها الرئيس عون ولم تبصر النور بعد، بسبب عدم موافقة رئيس الجمهورية على ما يقال، وان كان الافرقاء كافة كشفوا أوراق مطالبهم، من دون خجل او تردد. ومع ذلك، فإن الاتصالات التي أجراها، بعيداً عن الاعلام، وما آلت اليه قد تساعد في تخفيف حدّة الخلافات والتباينات وحجم التمثيل في الحكومة العتيدة.. لكن العبرة هي في التنفيذ على أرض الواقع..

المسألة ليست سهلة.. والتأليف يصطدم بجملة عقبات.. والوعود تصطدم بحسابات هذا الفريق او ذاك، هذا المحور او ذاك.. والامال معقودة على امساك الحريري بأعصابه، وبالقواعد التي اتفق عليها مع الرئاستين الأولى والثانية. .واذا كانت هناك من صعوبة لتجاوز عراقيل الخارج ما أمكن، وعراقيل الداخل التي تؤخر ولادة الحكومة؟!