IMLebanon

هؤلاء هم المنتصرون..

لم تنته معركة حلب على أرض محروقة.. والسلام. إشارات النصر التي ترفعها قوات الأسد.. ليست نصراً. الرقص فوق الأشلاء والركام.. ليس رقصاً. التهليل لمقاتلين غرباء، روس وأفغان وإيرانيين وعراقيين وغيرهم.. ليس بطولة وكرم ضيافة، هو مذمّة.

الإعدامات الجماعية لنساء وأطفال وأجنّة، إحراق عائلات حيّة، قنص الأطباء، السحل والاغتصاب.. كلها لعنات موقوتة. الاحتفاء بـ«سيلفي» موت غادر، بتلوّي الأجساد أنيناً ووجعاً، بصرخة طفل فقد أمّه، لعبته، هويته، ملامح وجهه.. ليس احتفاء فيه سكرة. الإعاشات والحصص التي لا تأتي.. دفعة على حساب تسليف الجوع، ودفعة إبادة. السقوط الحر لبراميل البارود المروحية.. هو الآخر سقوط.

قصف الطيران، صواريخ الأرض- أرض قصيرة المدى، الرصاص والبارود.. كلها أدوات قتل، لا شهب تسقط من السماء. التباهي بدك حصون الأحرار، القلاع الأثرية، البيوت والكنائس والمساجد.. ليس تاريخاً يكتب بالأمجاد، هو عار يتقفّى ويلاحق، مثل كأس يرفع ، وهو نبيذ دماء.

طفل حلب الذي ما أن تكتب له النجاة، ما أن ينفد بروحه، الطفل نفسه الذي عاش وعانى وبكى وودع ودفن بقية أفراد عائلته بيديه، سيأتي يوم ويعاود الكرة. يقتل، ينتقم، يدافع عن أرضه وعن ذكريات حلوة ومرة.. ليس لأجل متعة القتل، هذه المرة لأجل الشهداء الذين غنوا معاً: «أموت إذا ذكرتك حلب ثم أحيا/ فكم أحيا عليك وكم أموت»، ثم أنهم رحلوا معاً وفي كبريائهم ولدت أجيال تنادي بالحجر وتنادي بالوطن.. وأبداً لا تعرف الارتهان.

سيّدة حلب التي ما أن تكتب لها الحياة، ما أن تنجب المزيد من الثوار، ما أن تكتب الثورة بلغات العالم، ما أن تعيد هندسة مدينتها كما رسمها طفل قبل أن تنتشله من بين الأنقاض، وقبل أن تخبئه في صندوق تراكم فوقه الغبار، وقبل أن تبادله ابتسامة تجمدت على شفاهه كوديعة مدينة، ما أن تنزع عنها حداد المدينة ستضيء بيديها أبراجاً وقلاعاً ومنارات.

أحرار حلب الذين في وداع فلذات أكبادهم في حي المرجة، وغيرها من الأحياء، كانوا يلملمون الأشلاء من دون أن تسقط قطعة لحم منها. هؤلاء سيكتب التاريخ عنهم: «فقط في حلب الأب يحاول أن يحافظ على كامل جسد ابنته ليدفنها قبل أن تضيع قطعة منها، والابنة وطن وعاصمة وميلاد».

فقط في حلب، هؤلاء هم المنتصرون.. وعلى البقية السلام.