IMLebanon

بهذه الطريقة أدخل العقيد والنقيب المخدّرات إلى رومية!

في 11 تشرين الثاني 2013، وقف آمر سرية السجون العقيد غسان م. من على منبر سجن رومية ليرعى إطلاق المؤتمر الإقليمي الثاني للحدّ من أخطار استخدام المخدرات نشاطاته من رومية. حينها دعا العقيد الأهل إلى «متابعة أولادهم درءاً لانغماسهم في آفة المخدرات التي تكبر يوماً بعد يوم».

في 11 أيّار 2015 (أمس)، أي بعد سنة ونصف السنة، كان العقيد غسّان م. نفسه يقف تحت قوس المحكمة العسكريّة برئاسة رئيسها العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم. هذه المرّة لم يعد غسّان آمر سريّة السجون وإنما صار مسجوناً منذ نيسان الـ2014. هنا لا يدعو إلى الحدّ من مخاطر المخدّرات بل يروي كيف كان يدخل المخدرات، بالتعاون مع مساعده برتبة نقيب سامر م. (المخْلى سبيله)، إلى بعض المساجين بغية ترويجها في الداخل. هذا الأمر لم يعد سراً، بل تثبته إفادات الموقوفين والشهود وتسجيلين اثنين (أحدهما بالصوت والصورة) للقائين حصلا بين العقيد والرقيب وأحد الموقوفين في مكتب العقيد لتنظيم عمليّة إدخال المخدّرات إلى السجن وتقاضي الأموال!

لم تكن زنازين سجن رومية، منذ أشهر قليلة، مكاناً صالحاً لتنفيذ العقاب وتأهيل الموقوفين، وإنّما كانت «جزيرة أمنية»، الأمر فيها للموقوفين وليس للضباط والعساكر، والقانون فيها ليس نفسه المتعارف عليه، وإنّما القانون هو من يملك المال والنفوذ والقوّة الجسديّة لكي يستطيع فرض الخوات وتأمين «غرف 5 نجوم» وخدمات لتأمين راحة الموقوفين وإدخال كلّ ما ومن يخطر على البال وبسط السيطرة على الزنازين.

في هذا السجن تحديداً وعلى مرّ السنوات الماضية، نمت تجارة الأسلحة وابتزاز الموقوفين الآخرين، وحتى أمنيي «رومية»، وامتهن بعض الموقوفين حرفة تشكيل العصابات لتنفيذ الجرائم على أنواعها، حتى كادت شريحة جديدة من المساجين أن تتألف داخله، اسمها «أثرياء السجون».

أحد هؤلاء هو حسين المولى بالتعاون مع قريبه سعد الله المولى. هما أكثر من موقوفيْن داخل السجن بعد أن مكثا فيه سنوات طويلة بجرم ترويج المخدّرات. كان يفترض أن يتوقفا عن ذلك، إلّا أنّهما وجدا داخل رومية سوقاً مزدهراً، وأفضل من ذلك الذي اعتادوه في الخارج، فاحتكراه وبدآ رحلة الترويج داخله، بالإضافة إلى ابتزاز موقوفين.

ويروي بعض العارفين في أمور السجن (قبل تطبيق الخطّة الأمنيّة) أن المدخول الشهريّ لحسين وسعد الله كان يصل في بعض الأحيان إلى 40 مليون ليرة لبنانية، من خلال بيع حشيشة الكيف وحبوب «البنزكسول» إلى الموقوفين. كانا يقومان مثلاً بشراء علبة مخدّر «البنزسكول» التي تحتوي 100 حبّة بـ5 أو 6 آلاف ليرة لبنانيّة ليتمّ بيع الحبّة إلى الموقوفين بين ألف أو ألفي ليرة لبنانيّة حتى أنّها كانت تصل في بعض الأحيان إلى دولارين، بعد نفاد الحبوب من أيدي التجّار الآخرين من الموقوفين. بمعنى آخر، فإنّهما كانا يحقّقان أرباحاً خياليّة. إلا أنّ هذه الأرباح لم تكن صافية لحسين وسعدالله، بل إنّهما كانا بحاجة إلى من يدخل المخدّرات إلى السجن وبكميّات كبيرة وبشكلٍ دوريّ، فوقع خيارهما على بعض الضباط داخل السجن. وبضربة واحدة، «جنّد» حسين آمر سريّة السجون العقيد غسّان م. (لم يكن قد مضى على تسلمه منصبه أكثر من شهرين) الذي قام بدوره بمفاتحة مساعده النقيب سامر م. الذي كان مسؤولاً عن المبنى «د» (كان خالياً من الموقوفين ويتمّ تجهيزه).

بحسب غسّان، فإن سامر لم يعترض على الأمر، إلا أنّ الأخير أنكر ذلك، ولفت الانتباه إلى أنّه تعرّض لضغوط من المولى في البداية ثم من العقيد الذي طلب منه مساعدته، ولكنّه رفض. وقد التقى النقيب بالعقيد في السريّة في رومية، حيث نقل له تهديد المولى، قائلاً: «انتبه على نفسك، ولا تفكّر أنكّ ذكي جداً». ثم قام المولى بإبراز صورة لمنزل النقيب أمامه، وهما في مكتب العقيد، فيما المولى يشدّد على أنّ ذلك لم يحصل «فلو كنتُ قادراً على تهديده لما دفعتُ له المال!».

وإذا كان سامر لم يرضخ للضغوط في البداية، فإنّه سرعان ما جاراها. وأعطى موافقته إلى العقيد الذي أبلغه أنّ هناك أحد الأشخاص سيقوم بالاتصال به لملاقاته بالقرب من مار مخايل، فرفض وفضّل أن يكون اللقاء أمام ملعب كرة القدم الذي سيتواجد فيه بالقرب من صربا، بعد أن كان العقيد قد قبض 4 ملايين ليرة لبنانية (أعطى أكثر من النصف إلى الرقيب)، بعدما أرسل أحد أقربائه وطلب منه ملاقاة امرأة في موقف سيارات تابع لسوبر ماركت، ليسألها: «أنت زوجة حسين؟»، لتعطيه ظرفاً سلّمه في ما بعد إلى العقيد من دون فتحه.

وبالفعل، قام مهدي بلوق بالاتصال بالنقيب، واتفقا أن يلتقيا أمام الملعب، حيث سلّمه كيساً أسود بداخله 4 علب معسّل صغيرة وعلبتان كبيرتان، يعتقد أنّهما كانتا تحتويان على أكثر من 10 آلاف حبّة «بنزكسول» و3 كيلوغرامات من حشيشة الكيف، وإن كان الموقوفون (العقيد والرقيب والمولى) تراجعوا عن إفاداتهم الأوليّة التي تشير إلى وجود الحشيشة في الكيس، مكتفين بالقول إنّ المخدّرات كانت مقتصرة على الحبوب المخدّرة.

ومهما يكن من أمر، فإنّ الرقيب استلم الكيس، ووضعه في صندق السيّارة، وتحديداً مكان دولاب الاحتياط، ثم عمد إلى نقله إلى خزانة ملابسه في المنزل. وبعد انتهاء عطلته التي امتدّت ليومين، وقد تلقّى خلالها اتصالات كثيرة من أرقام لا يعرفها بغية تسليم المخدّرات في اليوم نفسه، أتى إلى السجن حيث أبلغه العقيد أنّ عليه تسليم المخدّرات للمولى من خلال رمي الكيس من المبنى «د»، الذي كان مسؤولاً عنه، إلى باحة مبنى «الأحداث» حيث ينتظره حسين.

في البداية، رفض سامر، وفق إفادته، على اعتبار أنّ هناك عناصر حرس يقفون على السطح، ليقوم العقيد بأمر العناصر إخلاء السطح والخروج من المبنى، فتوجّه سامر إلى السطح ورمى الكيس، وفق ما طلب منه.

وبعد مدّة قصيرة، حصل «اجتماع ثلاثي» آخر في مكتب العقيد (الاجتماع مسجّل بالصوت والصورة من آلة كانت مثبّته في مكتب العقيد)، حيث قاموا بوضع اللمسات الأخيرة للعمليّة الثانية.

ويؤكّد المولى أنّ المبلغ الذي تقاضاه الضابطان منه لم يكن 8 ملايين وإنما 30 مليون ليرة: 6 ملايين في العمليّة الأولى و24 مليوناً بعدها، نافياً الكثير من الأمور التي قالها النقيب. وأضاف: «أنا محكوم بمدّة طويلة، وبالتالي لا أريد أن أقول الكثير من الأمور وأكتفي بإفادتي الأوليّة كي لا أخرب بيت حدا»، ملمّحاً إلى أن الضابطين طلبا منه مبلغاً أكبر «لأن أحدهما يقوم بتقسيط قيمة منزله على مصرف الإسكان».

هذا ليس كلّ شيء، وإنّما هناك أفظع من ذلك، إذ تشير التحقيقات إلى أنّه قبل قيام العقيد بتهريب المخدّرات إلى داخل السجن، فإنّه قبض 50 ألف دولار أميركيّة مقابل تعيين محمّد فياض اسماعيل شاويشاً بعد أن حصل إشكال بين موقوفين من آل علّام وآخرين من آل علوه. يقول العقيد إنّه اختار حلّ الإشكال «حبياً» من خلال تعيين اسماعيل المعروف بأنّه مقرب من العائلتين، موضحاً أن تهمة قبضه 50 ألف دولار غير صحيحة ومصدرها الموقوف محمّد ناصر الدين الذي أرسل له تهديداً إذا لم يعيّن شاويشاً مكان اسماعيل.

في المحصلة، هذا جزء ممّا كان يحصل في سجن رومية. في حين حاول الضابطان، أمس، أمام هيئة المحكمة العسكريّة تلاوة فعل الندامة. قال العقيد الذي له في الخدمة أكثر من 20 سنة (قضى أقلّ من 5 أشهر في رومية) «إنّها ساعة تخلٍ. وأنا أؤكّد أنني أخطأت»، مضيفاً: «لم نكن نحن من يحكم السجن ونسيطر عليه.. إنهم الموقوفون، كما أنّ الأمن كان بالتراضي».

أمّا النقيب فاعترف بخطئه وسوء إدارته، وأنّه لم يبلّغ قيادته لوضع حدّ للعقيد وأنّه شارك بنقل المخدّرات.

وبعد أن استمع العميد خليل ابراهيم إلى شاهدين في القضيّة، أرجأ الجلسة إلى 15 حزيران المقبل للمرافعة وإصدار الحكم.