IMLebanon

الرؤساء الثلاثة ومَن معهم ضد الطائف؟

اكتمل نصاب الرئاسة. احتاج الجنرال ميشال عون إلى عامين ونصف من العناد، ليملأ الفراغ. امتلأ الفراغ، أو، تغيَّر شكل الفراغ. انتقل الفراغ إلى الحكومة. كم تحتاج من الوقت والعناد والابتزاز والألاعيب لملء الفراغ. قد يمتلئ الفراغ، أو قد يغير شكله فقط. سينتقل الفراغ إلى مجلس النواب. هو فارغ منذ أربعة أعوام، إلا من بعض الأثاث الخاص بـ «تشريع الضرورة». كم يحتاج اللبنانيون من الوقت لاستصدار تشريع جديد، لقانون انتخابي طائفيّ رث، يعيد صياغة الفراغ، بأسماء مختلفة.

جرت العادة أن يُداوَى الفراغ بتسوية، حصلت في الرئاسة تسويات. أن يُداوى الفراغ الحكومي بتسويات، وصفقات. حصل الحريري على ذلك، شيء من المقايضة. خذْ وأعطِ. الإدارات الفارغة بحاجة إلى اشتباك وزاري ومعارك أسماء وحصص ومواقع. كم يتطلب ذلك من الوقت والهدر والقرصنة؟ الإدارات في لبنان، حزب الأحزاب. لا حزبَ بقوّتها عدداً. موزعة على الطوائف والمذاهب والتيارات والقيادات، من رأسها إلى أخمص قدميها. إدارات أُفرغت من الشأن العام. اختصت بالشؤون التي تمليها إرادات عليا فاسدة. مستودع الفساد هي أو، جمهورية الفراغ من الشأن العام.

… وهكذا دواليك.

المشكلة أن اللبنانيين المنتسبين إلى النظام، يظنون أن الحل هو بالأسماء، أو بالمواقع، أو بالوزارات… غلط. النظام مكتظّ بالأسماء والمواقع والأنظمة الراعية. وهو كذلك ممتلئ بممثلي الطوائف، وقد انتهى الأمر، بأن أصبح التمثيل حكراً على الأقوياء… فالويل للضعفاء. سيتم إخراجهم مع «شرورهم» الصغيرة من نعيم المغانم. سيُعطى القوس لباريها من الأقوياء.

إذاً: عاش الفساد الأعظم.

قد يكون بعض الأقوياء بنيّات إصلاحية. الجنرال الذي بات رئيساً، لديه حزب إصلاحي وتغييري. هذا الشأن الأساس، لا وزن له في الممارسة. قانون السياسة في لبنان، ضد البرامج وضد الإصلاح وضد التغيير. ويشترك في تنفيذه، «الإصلاحيون» والانتهازيون والنفعيون… الدستور لا علاقة له بمجريات الأمور. يُستدعى للشكل فقط. تحصيل حاصل. المجلس الدستوري حبر على ورق ورجال من ورق. كذلك قافلة مؤسسات الرقابة.

المشكلة أن النظام هو أركانه، هو قادته، هو زبائنه وزبانيته. وهو مركَّب على منطق الامتيازات الموزّعة وحراستها. أي مساس بها، اعتداء على النظام والدستور والأعراف. هذا النظام الفارغ من رأسه وحكومته ومجلسه وإداراته، ممتلئ وفائض جداً. لا يتعطّل أبداً عن ضخ المنافع الخاصة وإعدام المصالح العامة: الكهرباء، البيئة، النفايات، إلى… إلى آخره من المصالح الحيوية.

فليس سهلاً أن تكون لبنانياً. لبنان بلد صعب جداً. من المفترض نظرياً، أن يكون وطناً لجميع أبنائه. هو ليس كذلك. من المنطقي أن يكون دولة. هو ليس كذلك. شيء ما يشبه المزرعة. نصوصه الدستورية تفرض أن يكون ديموقراطياً. هو ليس كذلك. شيء من ديكتاتورية الطوائف. الميثاقية تتطلّب التوافقية. يصعب ذلك. قوانينه تلزمه بانتخابات تشريعية كل أربع سنوات. يؤجل ذلك. الاستشارات الملزمة تفتح الباب لتأليف الحكومة. يتعثّر ذلك ويتعذّر. الانتخابات الرئاسية حتمية فوراً، بعد الشغور. عبث. فخامة الفراغ احتل الموقع ثلاث مرات، والآتي أكثر… أما ما له علاقة بحياة الناس، فمتروك لحيل الناس في تدبير أمورهم بالتي هي أسوأ، فعلاً. لبنان بلد صعب جداً. ليس سهلاً أن تكون لبنانياً.

على أن ذلك ليس قدراً محتوماً وليس ذلك من طبيعة النظام ولا مما أنتجه اللبنانيون من خلال تجاربهم المرّة. النظام راهناً مقفل على الوطن والناس والخير العام. مفتوح على أحزاب علي بابا. حدث أن تنبّه «الطائف» إلى ذلك. تأسس الطائف على مرحلتين: الأولى جمع السلاح وتطبيق الإصلاحات وضم الميليشيات إلى السلطة، من دون أسلحتها. حدث ذلك فعلاً، ولكن…

مصادرة الطائف تمّت بعد ذلك. وضع في بيت الطاعة في عنجر. انتهى النفوذ السوري فحُجر عليه في أقبية الطوائف. خريطة طريق الطائف تقود إلى نظام سياسي جديد، بديل من النظام المقفل والمأزوم. نظام يليق باللبنانيين وبالعصر وبالتقدم وبالديموقراطية والحريات العامة والدولة الحديثة. عبث. سدَّت الطوائف، بعد عنجر، أبواب الطائف. حرس زعماء البلد الفراغ الدستوري والقانوني. ورثوا النظام المريض، وها هو حتى المرفق الأخير…

اتفاق الطائف أقرّ ضرورة إلغاء الطائفية السياسية، وتحرير الدولة من الطائفية، وإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، وإلغاء قاعدة التمثيل المذهبي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية و… إلى آخره. ورسم للعائلة الروحية مكانة جليلة في مجلس الشيوخ، وأقرّ اللامركزية الإدارية الموسّعة واعتمد خطة إنمائية شاملة… اتفاق الطائف هذا لا نسمع عنه كلمة من «زعماء الطائف الطائفيين، الذين يكرهون هذا الاتفاق ويتمسحون به».

يحتاج تطبيق الطائف، لإخراج لبنان من محنته، إلى قوى اجتماعية انصرفت إلى جزئيات المشكلات، وباتت هذه من اختصاص حركات المجتمع المدني. الساحة مفرغة من قوى أو من حزب يرفع شعار تطبيق الدستور والطائف ضمن فترة زمنية قصيرة… فلننتظر.

لبنان الآخر، منصوص عنه ولا يحتاج إلى تأليف ولا تحصين. يحتاج فقط إلى تنفيذ… والرؤساء الثلاثة ومَن معهم ومَن حولهم، اكتفوا بالفتات الطائفي في الطائف، وتخلّوا عن النصاب المدني فيه.

فليكفّ الطائفيون عن الحديث وشبهة التحدّث باسم الطائف. هؤلاء، هم خونة الطائف، والخيانة ترتكب علناً. عمرها أكثر من 26 عاماً…