IMLebanon

هكذا أدخل الإسلاميون «الكاربير» إلى رومية لتفجيره.. والهرب

كشفت إحدى القضايا التي عرضت في المحكمة العسكريّة، أمس، المزيد مما كان يحصل داخل سجن رومية. اعترافات «أمراء السجن» السابقين والمسؤولين الموكلين من قبلهم، ترسم صورة للمبنى «ب» مغايرة عن التعريفات التي يمكن إسقاطها على أي سجن. فهذا المبنى كان «إمارة إسلاميّة» يحكمها اليمني سليم الصالح الملقّب بـ «أبو تراب» واللبنانييْن بلال ابراهيم الملقّب بـ «أبو عبيدة» وخالد يوسف الملقّب بـ «أبو الوليد».

لم يكن ينقص «إمارة رومية» شيئاً حتى تعلن استقلاليّتها عن الدولة اللبنانيّة. كان السجناء قد عرفوا «القوانين المرعيّة الإجراء» عن ظهر قلب والتي وضعها «الأمراء»: لا للأعمال المنافية للأخلاق، لا للمخدّرات، لا للكفر. فهذه «التابوهات» الثلاثة تصل عقوبتها إلى الإعدام (كالذي حصل مع السجين غسان قندقلي الذي تردّد أنّه تم قتله على يد الإسلاميين بعد نشره صورة منافية للحشمة)، أو الجلد أو الاحتجاز.

كلّ ذلك كان يحصل داخل غرفة كبيرة تحمل الرقم 359 (كانت غرفة مخصّصة للقوى الأمنيّة لتفتيش المساجين الجدد قبل أن يتمّ الاستيلاء عليها) قسّمت إلى غرف لإجراء الاجتماعات واتخاذ القرارات ومن ثم تنفيذ العقوبة من قبل «الأمراء» أنفسهم.

وأكثر من ذلك، فقد وزّعت «خلية الإسلاميين» المهام الإدارية على السّجناء: أحدهم مسؤول عن الصيانة مثلاً كاللبناني نور الحجّة الملقّب بـ «أبو البراء»، وآخر مسؤول عن معاونة القوى الأمنية في تفتيش الأغراض التي تصل إلى دكانة السجن كالموقوف شربل شليطا…

لا ينكر «أبو عبيدة» (الذي تمّ إخلاء سبيله منذ أشهر قليلة) هذا الأمر، بل يشير إلى أنّه كان هناك فريق عمل متكامل من السجناء الذين وزّعت عليهم المهام، مضيفاً: «هذا السجن كان بمثابة منزلنا، وعندما تخلّت الدولة عن مسؤولياتها وضعنا نظاماً داخلياً بغية المحافظة عليه وكي لا تسود شريعة الغاب»!

كان «أمراء رومية» يقومون أيضاً بالتّجارة بطريقة غير مباشرة. الجميع بات يعلم أن إدخال أجهزة تلفون و «لابتوب» و «ريسيفر» وحتى أجهزة التقاط الانترنت كـ «موبي» (مدَّعى على أبو تراب في إحدى القضايا لإدخال جهاز موبي إلى السجن) وأجهزة كهربائية أخرى.. كان يتمّ كـ «شربة المياه».

إدخال هذه الأجهزة كان تجارة بكلّ ما للكلمة من معنى داخل السّجن: موقوفون يُدخلون الأجهزة وخطوط التشريج ليتمّ بيعها داخل السجن بسعر أعلى من السعر في الخارج. يؤكّد «أبو تراب» هذا الأمر ليشير إلى كميّة الأجهزة داخل السجن، فيما يقول «أبو عبيدة» مفاخراً: «كان الأيفون ينزل برومية قبل ما ينزل برّا»!

أمّا التّجار فيجب أن يكونوا خاضعين لسلطة «أمراء رومية»، هذا ما يشير إليه شليطا ليتحدّث عن «محكمة» في «المبنى ب». من يدخل أغراضاً للتجارة من دون علم «الأمراء» تكون عقوبته دفع غرامة ماليّة لأنّها «تجارة غير شرعيّة».

هذا بعض ممّا كان يحصل داخل «مبنى الإسلاميين» سابقاً. «دولة بأمّها وأبيها»، بقوانينها وأنظمتها وعقوباتها، فلا يخجل «أبو عبيدة» من التذكير أنّه قام في الماضي بشراء «كومبريسور» لإدخاله إلى رومية، معتبراً أن «الهرب من السجن هو حقّ كل سجين وحلمه».

فيما يؤكّد «أبو تراب» صحّة استيلاء «الإسلاميين» على رومية، ويشير إلى «أنّنا كنا مستلمين المبنى وكنّا نعرف كلّ شيء، وكنّا نكافح المخدّرات، أما الضباط فكانوا يُدخلون شنط المخدّرات إلى سجن رومية!». إشارة «أبو تراب» استدعت تدخلاً من رئيس «العسكرية» العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم، مذكراً إياه بأنّ العقيد الذي يتحدّث عنه طُرد من السلّك وهو يحاكم أمام المحكمة.

هذا بعض ممّا تكشّف عن «إمارة رومية»، برغم أن «الأمراء الثلاثة» مثلوا أمس أمام هيئة «العسكريّة» لاستجوابهم، إضافة إلى الحجّة ومحمّد مرعي الملقّب بـ «أبو سليمان»، في قضيّة تحضيرهم لعمليات إرهابية داخل السجن بهدف الهروب منه بعد التنسيق مع الموقوف شليطا الذي اتفق بدوره مع الرقيب باتريك حدّاد لإدخال مادة «الكاربير» إلى المبنى في أواخر العام 2013.

كان شليطا في حينه يساعد حداد في تفتيش «أغراض الدكان»، بتكليفٍ من «أبو سليمان» بعد استشارة «الأمراء»، إذ إنّه كان سابقاً كاتباً لدى المراقب العام. بعد مضي أكثر من سنتين على «التكليف»، يقول شليطا اليوم إنّ هؤلاء كانوا يدفعونه «باتجاه الباب»، أي ليكون على احتكاك دائم مع القوى الأمنيّة كونه كان قريباً منهم.

وخلال مساعدته حداد، طلب منه إدخال عدد من سماعات الهاتف لبيعها داخل السّجن. وما إن وصل الخبر إلى «الإسلاميين» حتى استدعوه إلى «غرفة التحقيق»، حيث كان يجتمع «أبو الوليد و «أبو سليمان» و «أبو تراب»، فيما تولى «أبو عبيدة» سؤاله عن هويّة الرجل الذي أدخل له السّماعات بعد أن فرضوا عليه غرامة ماديّة بسبب إدخالها من دون علمهم.

وبعد التّشاور في ما بينهم، طلبوا منه إدخال مادة «الكاربير» إلى المبنى عن طريق الرقيب حداد. وبالفعل، في اليوم الثاني طلب شليطا من حداد تأمين هذه المادة، ومتمنياً عليه عدم سؤاله عن سبب إدخالها.

وهنا تختلف الرواية بين الرجلين، إذ يقول حداد إنّ شليطا هدّده بأذيته إذا لم يعمد إلى إدخال «الكاربير» ففعل ذلك تحت وطأة التهديد لكونه يبقى وحيداً في بعض المرات داخل السجن، فيما يشير الثاني إلى أنّه لم يهدّده بل أغراه بمبلغ 100 دولار أميركي.

ومهما يكن من أمر، فقد لبّى حداد الطلب، بعد أن اشتراها من بائع متخصص ببيع «الاشكمانات» ثم عمد إلى وضع «الكاربير» داخل «سندويش» مرتديلا، ثم أدخلها إلى المبنى وأعطاها لشليطا.

في البدء، لم يكن الموقوف يعلم أنّ المادة التي حملها إلى «أمراء رومية» كان هدفها إحداث تفجير داخل السجن لتمكنهم من الهرب، وإنّما عرف بذلك فيما بعد عندما سلّمهم المادة بوجود «أبو البراء»، ليضحك أحدهم قائلاً له: «هذه المادة تذوّب كلّ شيء. سنهرب وأنتَ ستكون معنا»!

«الإسلاميون» ينفون

وخلال استجوابهم، نفى «أبو تراب» و «أبو الوليد» و «أبو عبيدة» هذا الأمر جملةً وتفصيلاً، فيما أصرّ شليطا وحداد على إفادتيهما.

وأشار «أبو عبيدة» إلى أنه لا يعرف شليطا «فعندما تسلّم الأخير مهامه في الدّكان كنت أنا قد تركت كل شي (قاصداً مسؤوليته عن المبنى)، وذلك بعد قصّة القندقلي التي دفعتني إلى عدم التدخّل بأي شيء والبقاء في غرفتي حتى لا أغرق أكثر».

وسارع العميد ابراهيم إلى سؤاله عن سبب قول «قصة القندقلي» (أبو عبيدة متهم مع غيره بقتل السجين، برغم أن هؤلاء يشيرون إلى أنّ القندقلي انتحر)، وكي لا تغرق أكثر، فعمد «أبو عبيدة» إلى التهرّب من الإجابة عن السؤال قبل أن يقول: «صار عندي دعاوى كتير».

في حين لفت «أبو تراب» الانتباه إلى أنّه كان مسؤولاً وغيره عن المبنى الذي كان ممتلئاً بالأجهزة وكان يبقى مجتمعاً مع الضباط، متسائلاً: «هل يُعقل أن نعقد اجتماعاً كرمى لسماعات؟ وبما أنني أستطيع إدخال أجهزة هاتف ولابتوب فلماذا لا أُدخل الكاربير، بدلاً من توسيع البيكار وطلبها من شليطا؟ وإذا كان المصدر مؤمن فلماذا أطلب الكاربير بدلاً من الديناميت أو أي من المواد الشديدة الانفجار الأخرى؟»، ليضيف بعدها: «أنا لست غبياً ولست ساذجاً إلى هذه الدرجة».

وعلى الفور، قرّر السجين اليمني الذي دخل السجن لارتباطه بـ«فتح الإسلام»، استذكار خبراته العسكرية، ليقول: «أنا عسكريّ وأعرف أن الكاربير لا يستخدم للانفجار». لدى «أبو تراب» نظرية أخرى تفيد بأنّ الموقوف أدخل هذه المادة كي يقوم بتصنيع الخمر كالعرق على اعتبار أنّ «الكاربير» يستخدم لتخمير الموز والتفاح!

وبعدها أكّد بعض أعضاء هيئة «العسكرية» أنّ «الكاربير» لا يدخل في تصنيع العرق، وإنما يستخدمه بعض تجار الخضار ليقوموا بتخمير الموز، فيما لديه استعمال آخر لأنه يحدث انفجاراً إذا ما تمّ خلطه بالمياه ووضعه داخل عبوة مقفلة.

أما «أبو الوليد» الذي حضر للمرة الأولى كمخلى سبيله، فرأى أن القضية هي واحدة من «سلسلة الافتراءات على الإسلاميين بسبب نقل بعض الموقوفين إلى سجون أخرى لتعاطي المخدرات»، مشيراً إلى أنّ إفادة شليطا «ركيكة، وهي قد تكون واحدة من أحلامه».

واعتبر أنّ السجين عندما يخطّط للهرب فإنها تكون بسريّة عالية وبطريقة أمنية، متسائلاً: «كيف يقوم 5 إلى 6 أشخاص بالتخطيط للهرب وفضح أمرنا؟».

«قادة محاور التبانة» إلى التأجيل مجدداً

منذ أن تمّ سوقهم من سجن رومية صباحاً وحتى الساعة الخامسة من بعد ظهر أمس، انتظر قادة محاور باب التبانة والمقاتلين التابعين لهم سابقاً كثيراً حتى يدخلوا إلى قاعة المحكمة. لم يتعبوا كثيراً من الانتظار الطويل، بل صبروا على اعتبار أنّ أملهم كان كبيراً لأن واحدة من القضايا الدسمة المتعلّقة بالاقتتال، صارت قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء. إنها جلسة المرافعة التي تأجلّت سابقاً لأربع مرات.

وعندما حان موعد القضيّة رقم 82، دخل المدّعى عليهم إلى القفص، فيما قرّر زياد صالح الملقّب بـ «زياد علوكي» أن يقف في الزاوية وإلى جانبه سعد المصري. خفض نظارته إلى مستوى أنفه وانتظر الانتهاء من تعداد الموقوفين ومحاميهم، إلى أن علموا أن أحد المدّعى عليهم وهو خلدون حجازي قد تغيّب عن الجلسة بعذر طبيّ.

عندها علت الصرخة المنتظرة والنقمة على وكيل الدفاع عن حجازي المحامي عارف ضاهر. ارتفع صوت «علوكي»، سائلاً: «كم مرة صرت مأجلّها؟»، ليقول آخر: «المرة الجاي ستكون الدعوى على المحامين».

صار هؤلاء مستعدون للقيام بأي شيء مقابل الانتهاء من ملفاتهم القضائيّة. أحد الموقوفين وعد بأنّه سيسافر ما إن يخرج، بل وسيتخلى عن جنسيته اللبنانية، فيما لم يتوان محمود الحلاق عن الصراخ قائلاً لأحد المحامين الذي اتهمه بتأجيل الجلسات لأسباب مختلفة: «بوعدك بس نطلع بدنا نقاتل إلى جانب تيار المستقبل»!

وفي حين قرّر رئيس المحكمة العسكرية العميد الركن خليل ابراهيم ردّ العذر الطبيّ ومحاكمة حجازي غيابياً، ليتبيّن فيما بعد أنّ أحد المحامين وهو محي الدين باشا قد تغيّب عن الجلسة برغم من أن زملاءه أشاروا إلى أنّه كان متواجداً في المحكمة قبل قليل.

وقد تعمّد ابراهيم إرجاء الجلسة إلى موعد غير بعيد في 13 الجاري بعد أن رفض فصل ملفّ الخصومة بين حجازي وسائر الموقوفين على اعتبار أنّ الملفّ صار في خواتيمه، ليقوم الموقوفون بالدعاء للعميد، فيما غمز الحلاق من قناة المحامين ليقول: «طول ما العميد موجود نحنا مطمئنين».