IMLebanon

هكذا هرب المولوي ومنصور بعد المعركة الأخيرة

العسكري المنتمي إلى «النصرة» يروي حكاية الانشقاق وقتال الجيش

هكذا هرب المولوي ومنصور بعد المعركة الأخيرة

في 24 تشرين الأوّل الماضي، وقع الاعتداء المسلّح الأخير من قبل المسلحين المنتمين إلى تنظيمات إرهابيّة في التبانة ضدّ الجيش، والذي استمرّ على مدى أيّام طويلة قبل أن يبسط الجيش سيطرته على المنطقة ويهرب المسلحون.

حينها، شارك الجندي عمر شميطة، الذي يخدم في فوج المدفعية الثاني السرية الأولى بمنطقة المدفون، في هذه المعارك، ولكنّه لم يكن تحت أمرة الجيش وإنّما تحت أمرة أسامة منصور وشادي المولوي.

هكذا أطلق ابن المؤسّسة العسكريّة وشقيق العسكري الشهيد الذي قتل على يد التنظيمات الإرهابيّة خلال معارك نهر البارد، النار على رفاق السلاح. وهكذا أيضاً حاول ابن الـ24 عاماً تهريب شادي المولوي على دراجة ناريّة من محيط باب التبانة، قبل أن يعدل منصور عن هذا الطلب في الدقائق الأخيرة، ليهربا معاً (منصور والمولوي)، وبرفقتهما العسكري المنشق عاطف سعد الدين (كان آنذاك مصاباً بعينه اليسرى من جراء المعارك) على متن سيارة من نوع «ميتسوبتشي باجيرو» لون أبيض تعود للمدعو «أبو خطّاب».

أين ذهب المولوي ومنصور؟ ينفي شميطة أن يكون على علم بمكان هربهما، إلا أنّه يكشف، في إفادته الأوليّة، أنّه يعتقد أنّ منصور بقي في طرابلس ومحيطها أمّا المولوي فقد ذهب إلى عين الحلوة، وذلك بعد أن رأى بأم عينه أنّ منصور والمولوي أعطيا هاتفهما الأوّل إلى «أبو يزيد» والثاني إلى العسكري المنشق محمد عنتر الذي فرّ إلى عين الحلوة برفقة الفلسطيني «أبو اسحاق»، وطلبا منهما أن يتلفا الشريحة فور وصول كلّ منهما إلى المنطقة المتّفق عليها.

وبعد ذلك، عاد شميطة هارباً ليسلّم نفسه إلى الجيش في تشرين الثاني بعد أن هرب من انضوى تحت أمرتهم.. عاد شميطة موقوفاً ليخضع للاستجواب الأولي في وزارة الدفاع وصولاً إلى استجوابه، أمس، من قبل هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة رئيسها العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم، وذلك من دون أن يحقّق ما وعده به منصور وهو تسليمه مركزاً مرموقاً إثر قيام «الإمارة الإسلاميّة» في الشمال.

ولهذه الغاية تحديداً، انضمّ الجندي إلى «مجموعة أبو عمر منصور» في تشرين الأوّل الماضي بعد أن أقنعه صديقه وجاره فادي المصري (كان يملك دكاناً في التبانة ومنضو في المجموعة) بالالتزام الديني والانشقاق، مذكراً إيّاه بالعسكريين الإثنين اللذين انشقا عن الجيش: عاطف سعد الدين ومحمد عنتر.

ولم يجهد المصري نفسه كثيراً، حتى التقى مع صديقه الذي كان قد استحصل على مأذونية من الخدمة بتاريخ 15 تشرين الأوّل لمدة 72 ساعة توجّه فيها إلى محلّ والده لبيع الفلافل في باب التبانة ثمّ إلى «مقهى عامر». ومن هناك، انطلق الرجلان باتجاه «مسجد ابن مسعود» وصعدا إلى الطبقة الثانية حيث كان يجلس المولوي ومنصور. ويومها، توجّه المصري إليهما قائلاً: «صار (عمر) جاهزاً للانشقاق».

وما كاد الأخير ينطق بالجملة، حتى توجّه الجميع إلى شقة في مبنىً مجاور، حيث كان يمكث مسلحان مثلمان وشخص يدعى «أبو إسحاق» (فلسطيني عمره 24 عاماً)، بالإضافة إلى «أبو حمزة» و «أبو محمّد». ثمّ حضّر منصور مجموعته وكتب «سيناريو الانشقاق» على تلفون من نوع «سامسونغ إس3» وأعطاه للشميطة ليقرأ البيان ويقوم بنفسه بتصوير العسكري يعلن انشقاقه.

وبعد أن انتهت عمليّة التصوير أخد منصور تلفون شميطة وأتلف الشريحة، ثمّ خلع المسلحان الواقفان إلى جانبه القناع عن وجهيهما ليتبيّن أنّهما العسكريان عاطف سعد الدين ومحمد عنتر (الذي كان مخرج الفيديو). وتوجّه منصور إلى شميطة بالقول إنّه سيرسل «الفيديو» إلى أمير «النصرة» في القلمون أبو مالك التلّي لتعميمه حتى يتشجّع العسكريون الآخرون للانشقاق عن الجيش.

وفعلاً، أرسل منصور «الفيديو» الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بـ «النصرة» على أنّ شميطة يقاتل معهم وأنه متواجد في جرود عرسال وليس في طرابلس. ثمّ خرج منصور وبقي العسكريّ المنشق مع المولوي والعسكريين الإثنين و «أبو اسحاق»، لينقل بعد ذلك إلى شقّة تقع داخل «المربّع الأمني»، وتحديداً خلف «مسجد مسعود».

وفي هذه الشقّة، شاهد شميطة منصور يدرّب جندياً منشقاً آخر يدعى حمزة الحاج (موقوف حالياً ويتمّ استجوابه في الملفّ نفسه في المحكمة العسكريّة)، على استخدام القناصة. والحاج، الذي كان عسكرياً في مغاوير البحر، أعطى منصور الكثير من المعلومات والإحداثيات عن وحدته ووشى له أيضاً أنّ دوريّة لفوج مغاوير البحر ستقوم في هذا اليوم (23 تشرين الأوّل الماضي) بمداهمة لإحدى الشقق في منطقة بحنين.

وليس الحاج وحيداً في هذه المهمّة، بل إنّ منصور طلب أيضاً من شميطة معلومات عن مكان خدمته ورئيسه وأوقات دخول وخروج العسكريّين، ولا سيّما العسكريين الشيعة منهم، ليجيب العسكريّ المنشق: «العسكريون كلّهم يخرجون في التوقيت نفسه». كما أراه منصور على الحاسوب الخاص به صوراً جويّة لمراكز الجيش، وأشار له إلى مركز محدّد يعلوه العلم اللبناني ورُسم في أسفله علم لـ «داعش».

وقال له «أبو عمر» إنّ هذا المقرّ هو «مركز الإطفائية» (قرب مقرّ اتحاد بلديّات الفيحاء المتاخمة للمرفأ)، ويتضمّن سجناً سرياً عرف به بعد أنّ تمّ إلقاء القبض على أحد المقربين منه على أحد الحواجز ويتمّ التحقيق معه في هذا المركز. وطلب منصور من العسكريّ المنشق أن يساعده في جمع إحداثيات عن المكان لمحاولة الدخول إليه، غير أن الأخير أكّد أنّه لا يستطيع القيام بذلك.

وبعد هذه الحادثة، لم يقم منصور بتكليف شميطة بأي مهمّة أمنيّة، إذ أنّ الأمور ذهبت باتجاه آخر بعد بدء المعارك في طرابلس في 24 تشرين الأوّل الماضي. حينها قسّم المطلوبان الأشخاص على 3 مجموعات للقتال وكانت مهمتهم إطلاق النار على آليات الجيش لمنعها من التقدم.

وهذه المجموعات كانت، بحسب ما جاء في الإفادة الأوليّة لشميطة، على الشكل التالي: الأولى يتولاها المدعو «أبو حيدر» (شخص من باب التبانة كان يبيع القهوة على ناصية الطريق) وتضمّ عدداً من العناصر أبرزهم المدعو «أبو ليلى» (سائق بيك اب) و «أبو اسحاق». والمجموعة الثانية يترأسها المولوي الذي كان يحمل «أم 4» ومزنّر بحزام ناسف. أما المجموعة الثالثة فهي الأقوى ويترأسها منصور وتضمّ عدداً كبيراً من المقاتلين ومنهم العسكريون المنشقون شميطة وسعد الدين وعنتر، بالإضافة إلى «عبد الناصر أبو بكر البغدادي» والسوري «أبو يحيى» و «أبو داوود» و «أبو أسير» وآخرين.

وخلال الاعتداءات على الجيش أصيب المولوي، فتمّ نقله إلى إحدى الشقق حيث مكث معه العسكريون المنشقون الثلاثة حتى الساعة الخامسة صباحاً. وكانت أوامر منصور حينها بأن ينقل المولوي إلى «مسجد حربا» عبر دراجة ناريّة يقودها شميطة الذي تكون مهمته أيضاً إطلاق النار على الجيش لتغطية الهروب، فيما قام «أبو عمر» بإطلاق قذيفة «أر. بي. جي» على آلية للجيش للغاية عينها.

ولكنّ بعد أن أعطى الجيش هدنة لساعتين خلال المعارك، عدل منصور عن رأيه، وهربوا جميعهم إلى شقة مجاورة لـ «مستوصف الرحمة» في باب التبانة، حيث مكثوا لمدّة يومين. وحينها، كان «الشيخ أبو خطّاب» يؤمّن لهم حاجاتهم الغذائيّة.

شعر هؤلاء بأن الجيش اللبناني ماضٍ في معركته حتى النهاية، فقرّروا الهرب خارج هذه الشقّة، طالبين من «أبو خطّاب» الذي يملك سيارة من نوع «ميتسوبتشي» أن يهرّبهم، فأشار الأخير إلى أنّ المنطقة مطوّقة ولا يستطيع تهريبهم إلى داخل طرابلس. ولذلك فقد أقلّ «أبو خطّاب» كلاً من منصور والمولوي وسعد الدين إلى جهة مجهولة.

وبالرغم من كلّ التفاصيل التي أعطاها شميطة في إفادته الأولية ثم عند قاضي التحقيق العسكري، فإنّه بالأمس تراجع عنها، وأنكر أن يكون قد انشق، مدعياً أنّ مجموعة «أبو عمر منصور» قامت بخطفه وهو في طريق إلى مقرّ خدمته، بسيارة «BMW» سوداء ونقلته إلى شقة في المنطقة حيث وضعت له حراسة مشددة، وأمره منصور بإعلان الانشقاق وإلا قتل أهله. وأشار إلى أنّه هرب من الشقة في أثناء المعارك عندما أتت إمرأة منقبة وفكّت أصفاده!

وبعد أن استمع العميد خليل ابراهيم إلى إفادته، أرجأ الجلسة إلى 26 تشرين الأوّل المقبل لاستكمال الاستجواب والاستماع إلى الجندي المنشق الثاني حمزة الحاج.