IMLebanon

هكذا سيعيد رئيس الجمهورية هيبة الجيش

اقفلت صفحة «النصرة» و«داعش» العسكرية عند سفوح السلسلة الشرقية، بعد ثلاث سنوات على غزوة عرسال عام 2014 التي غيرت الكثير قالبة الموازين حينها في ظل الفراغ الرئاسي الذي كان حاكماً يومذاك. وضياع القرار السياسي في البلاد، لينطلق بعد ثلاثة اعوام قطار المحاسبة الذي لن يكون من السهل ان يبلغ محطته الاخيرة في ظل التجاذب القائم حول النيات الفعلية التي تقف خلف تحريك الملف قضائيا.

اوساط سياسية متابعة اعتبرت ان اثارة الموضوع حاليا يهدف اولا الى استيعاب حالة «الغضب والثورة» الذي ولدها كشف الحقيقة بين الاهالي خصوصا ان الدولة اللبنانية بكامل اجهزتها كانت على علم بحقيقة استشهاد العسكريين وظروفها منذ عام 2015 وهي تمتلك الوثائق التي تثبت ذلك من صور حصل عليها احد الاجهزة الامنية بواسطة مخبريه في صفوف «تنظيم الدولة الاسلامية».

وتتابع الاوساط بان مسلسل «الفضائح» الذي بدأ مع كشف بعض مستور فترة تسع السنوات الماضية والذي تضمن اسماء ضباط رموز لتلك الفترة، والمرشح للاستمرار لفترة غير قصيرة، وان كان لن يصل الى اي نتيجة «جزائية» او محاسبة قانونية لاصحاب المراكز العليا، خصوصا ملف «غزوة» عرسال آب 2014 وتداعياته نظرا لتشابك المصالح السياسية وتورط جهات اقليمية ودولية في الملف، بموازاة التوازنات الداخلية المحيطة بكامل المسألة.

وجهة نظر ترفضها مصادر في التيار الوطني الحر التي اكدت ان عهد الرئيس القوي لن يسكت على اي فساد خصوصا في المؤسسة التي يرعاها رئيس الجمهورية ويرأسها بحكم الدستور هو الذي خرج من صفوفها ويعرف دهاليزها، مشيرة الى ان وصول العماد جوزاف عون الى اليرزة شكل ضمانة لهذا النهج الاصلاحي الذي بدأ فعلا «على السكت» داخل المؤسسة العسكرية عبر ورشة شملت كل قطاعاتها، بعدما امسك القائد الجديد بكامل الملفات، وما فضيحة الكلية الحربية الا غيض من فيض، ومؤشر الى طريقة تعاطي القيادة الجديدة بكل شفافية مع الملفات وبعيدا عن اي تشف او انتقام، مؤكدة ان فساد البعض لا يعطي الحق بأي شكل من الاشكال لتعميمه على المؤسسة التي اثبتت انها في ظل قيادة قوية تستطيع انجاز الكثير وتحقيق ما عجزت عنه اكبر جيوش المنطقة.

رؤية تتطابق مع الاجواء التي ينقلها زوار قصر بعبدا، ومع ما يردده فريق عمل رئيس الجمهورية، الذي يؤكد على اصرار العماد ميشال عون على السير في ملف عرسال حتى النهاية، بعيدا عن اي حسابات شخصية على ما يحلو للبعض ان يسوق له لتمييع الملف، كاشفة ان الحقائق يجب ان تظهر بوضوح وان يتحمل اصحاب المسؤولية عما حصل.

وفي هذا الاطار تكشف المعطيات ان الفريق الاستشاري القانوني في رئاسة الجمهورية وبناء على توجيهات من الرئيس ميشال عون باشر منذ ايام دراسة السبل الفضلى الواجب اتباعها لسلوك ملف حرب عرسال طريقه الى القضاء لتبيان الحقائق والمسؤوليات، خصوصا ان ما حصل يشكل اعتداء موصوفا على امن الدولة، حيث تكشف مصادر مطلعة على اجواء الاجتماعات التي شهدها قصر بعبدا ان المنفذ الوحيد المتاح حاليا هو عبر القضاء العسكري، اذ سيجري الطلب الى وزير العدل بالطلب الى النيابة العامة العسكرية التحرك في هذا الملف، بعد الانتهاء من وداع العسكريين الشهداء، دون ان تستبعد ان يلجأ اهالي العسكريين والمتضررين الى تقديم ادعاءات شخصية مع فتح الملف.

وحول السبب في اختيار هذا المخرج، اشارت المصادر الى ان خيار احالة الملف الى المجلس العدلي غير ممكن حاليا نتيجة التوازنات داخل الحكومة ونتيجة ما قد يفجره ذلك من خلافات ستفضي الى دفن القضية في مهدها، اما مسألة تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق فهو غير سالك لان موقف رئيس مجلس النواب في ذكرى الصدر اجهض اي امكانية لهكذا خيار فضلا عن ان اللجان النيابية قلما وصلت الى نتيجة، فيما خيار تحريك القضاء المدني فهو غير ذي صفة نظرا للطبيعة العسكرية للملف.

لذلك كان الخيار باللجوء الى القضاء العسكري صاحب الصلاحية في التحقيق مع العسكريين والمسؤولين المتورطين، مع مراعاة كامل الاجراءات القانونية لجهة الاشخاص الذين يتمتعون بحصانات يعطيهم اياها القانون، هذا من جهة، ولصعوبة التأثير والتدخل في قرارات واجراءات النيابة العامة العسكرية من جهة ثانية، معتبرة ان هذا الاجراء يضع القضاء العسكري امام مسؤولية كبيرة، تزامنا مع الغطاء الكامل الذي سيؤمنه رئيس الجمهورية الذي سيتابع عن كثب مجريات الملف ونتائجه ايا بلغ مستواها.

رغم تشكيك الكثيرين في امكانية الوصول بملف المحاكمات الى النهاية، ثمة من يؤمن بالعكس آملا بتعويض جزء من خسارة لحقت به وحق حاول البعض هضمه، رغم اتفاق الفريقين على ان سقف المساءلة سيبقى دون المطلوب طالما ان التركيبة السياسية الراعية للحياة العامة ما زالت على توازناتها نفسها، فلا الرابع عشر من آذار ستقر بعثراتها ولا الثامن منه ستعترف باخطائها، وستبقى غزوة عرسال صفحة سوداء في الكتاب اللبناني ليحكم عليها التاريخ بألف وجهة نظر ونظر.