IMLebanon

شد حبال نووي

 

هددت روسيا أمس بعودة سباق التسلح النووي من جديد بعدما لوح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب بلاده من معاهدة رئيسية موقعة بين البلدين للحد من الأسلحة النووية. وحذّر ترامب من أن بلاده تعتزم تعزيز ترسانتها من الأسلحة النووية للضغط على روسيا والصين، مكرراً أمام صحافيين اقتناعه بأن روسيا لم تلتزم بمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى المُبرمة في العام 1987.

 

ويستمع المسؤولون الروس في موسكو إلى إيضاحات من مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بشأن عزم بلاده الانسحاب من تلك المعاهدة. وتنتهي زيارة بولتون إلى العاصمة الروسية اليوم، والهدف الرئيسي منها متابعة ما توصل إليه الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في قمة هلسنكي. وكان ترامب برر نيته إنهاء معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (اي ان اف) – التي وقعها الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان والرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف عام 1987، بسببين: الأول انتهاك روسيا للمعاهدة، والثاني استمرار الصين في تعزيز ترسانتها النووية.

 

وكانت هذه الاتفاقية التي حظرت إطلاق صواريخ نووية من منصات أرضية مداها يراوح بين 500 و5500 كيلومتر، بمثابة خطوة حاسمة في اتجاه إنهاء الحرب الباردة من خلال وضع حد لتراكم الصواريخ النووية الأميركية والسوفياتية في أوروبا. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن تحرك ترامب «خطوة خطيرة». وحذّر من أنه إذا استمرت الولايات المتحدة في الانسحاب «بشكل خشن وبصورة غير معقولة من الاتفاقات الدولية، فلن يتبقى أمامنا خيار آخر سوى اتخاذ إجراءات انتقامية بما في ذلك استخدام التكنولوجيا العسكرية».

 

وقال غورباتشوف (87 عاماً) «إن الانسحاب من مثل هذه المعاهدات يُظهر نقصاً في الحكمة. التخلص من المعاهدة خطأ. يجب الحفاظ على جميع الاتفاقات الرامية إلى نزع السلاح النووي والحد من الأسلحة النووية من أجل إنقاذ الحياة على الأرض».

 

وبعيد وصول بولتون إلى روسيا قال أمين عام مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف إن «المسؤولين الروس سيحذرون بولتون من أن سباق التسلح سيصبح مفتوحاً في حال مضت واشنطن قدماً في نقض المعاهدة»، لكنه أبدى في الوقت عينه «استعداد روسيا للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل إزالة جميع الشكوك التي تساور الأميركيين حيال البرنامج النووي العسكري الروسي من أجل الحفاظ على المعاهدة».

 

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف «سنستمع إلى هواجس الأميركيين. ولكن في حال أصروا على المضي قدماً في نقض المعاهدة، فإن روسيا حتماً ستضطر إلى اتخاذ خطوات جديدة لضمان أمنها» في إشارة واضحة إلى أن روسيا ستقوم حينها بتطوير تكنولوجيتها العسكرية النووية.

 

وتتهم الولايات المتحدة روسيا بأنها انتهكت المعاهدة منذ عام 2014 من خلال تطوير صاروخ كروز «9 ام 729» الذي يمكن إطلاقه من منصة أرضية ويُهدّد دول حلف شمال الأطلسي في أوروبا، إذ أن مداه يتجاوز الحدود المسموح بها في المعاهدة. وقال ترامب في هذا الصدد «لقد انتهكت روسيا الاتفاقية. لن نسمح لهم بانتهاكها، ولن نسمح لهم باستخدام الأسلحة. لذا سيكون علينا تطوير هذه الأسلحة، ما لم تأتِ إلينا روسيا وتأتِ إلينا الصين، أو يأتي كلاهما ويقولان لنا دعونا نكون أذكياء ونكف عن تطوير أي من تلك الأسلحة. ولكن إذا كانت روسيا تقوم بتطوير هذه الأسلحة وكذلك تفعل الصين، فمن غير المقبول أن تبقى الولايات المتحدة مُلتزمة بتطبيق المعاهدة».

 

وأمس وصل بولتون إلى موسكو في زيارة مدتها يومان الهدف منها إكمال مناقشات قمة هلسنكي، وربما إبلاغ الروس رسمياً بقرار ترامب الانسحاب من المعاهدة النووية. وزعمت صحف أميركية وبريطانية أن بولتون هو أحد صقور الإدارة الذين أوعزوا إلى ترامب بالانسحاب من الاتفاقية. وبرغم أن زيارة بولتون إلى موسكو كانت مجدولة مسبقاً دون لقاء بالرئيس الروسي، لكن على ضوء الانسحاب الأميركي المحتمل من معاهدة «اي ان اف» تقرر أن يحل المستشار الأميركي ضيفاً على بوتين اليوم.

 

وكانت معاهدة الأسلحة النووية هذه مهدت الطريق أمام معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت)، وهي اتفاقية بشأن الأسلحة الاستراتيجية الخطرة – مثل الرؤوس الحربية النووية والقنابل الثقيلة – التي يمكن أن تستخدمها كل من روسيا والولايات المتحدة. ومن المقرر أن تنتهي عام 2021 صلاحية تلك الاتفاقية التي وقعها الرئيسان السابقان الأميركي باراك أوباما والروسي ديمتري ميدفيديف في عام 2010. وما يزعج واشنطن كثيراً هو واقع أن الصين تواصل تطوير ترسانتها النووية إذ إنها لم توقع على أي من هذه المعاهدات التي تحد من الأسلحة النووية.

 

وقال عضو مجلس الشيوخ في لجنة الدفاع في البرلمان الروسي فرانز كلينتسفيتش، إن «خطوة ترامب لم تكن غير متوقعة. لكننا كنا نأمل حتى النهاية أن لا يقدم عليها». ونفى أن تكون روسيا تنتهك المعاهدة واعتبر أن «إنهاء الاتفاق هو جزء من مؤامرة أميركية لتقويض حكم الرئيس الروسي من خلال إجبار الكرملين على زيادة الإنفاق على الأسلحة. إنهم يريدون إجبارنا على سباق التسلح كما فعلوا مع الاتحاد السوفياتي. لكن واشنطن لن تنجح». وتجدر الإشارة إلى أن محاولات السوفيات لمواكبة الإنفاق الأميركي على الأسلحة النووية شلت اقتصاد موسكو في السابق وكان ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها واحدة من أسباب انهيار التكتل الشيوعي السابق.

 

وتتواصل ردود الفعل الدولية على القرار الأميركي، ففي لندن قال وزير الدفاع البريطاني غافين ويليامسون «إن المملكة المتحدة تقف بشكل حازم إلى جانب واشنطن وتدعو الكرملين إلى اعادة ترتيب منزله الداخلي». وفي برلين قال وزير الخارجية الألماني هيكو ماس إن «قرار ترامب يطرح على ألمانيا وأوروبا أسئلة صعبة. ولكننا نفهم أن روسيا لم تقدم أدلة كافية لتبرئة نفسها من الاتهامات التي توجهها إليها واشنطن بانتهاك المعاهدة».

 

وفي بروكسل حذر الاتحاد الأوروبي في بيان «الأميركيين من الانسحاب من الاتفاقية التي تحمي امن العديد من حلفاء واشنطن الأطلسيين في أوروبا»، لكنه دعا في الوقت نفسه الروس إلى إزالة الشكوك والهواجس الموجودة لدى الأميركيين حيال الانتهاك الروسي المزعوم للمعاهدة.

 

ويُقال إن روسيا تملك 4350 سلاحاً نووياً بينها 1370 جاهزة للاستخدام، فيما تملك الولايات 3800 سلاحاً نووياً بينها 1350 جاهزة للاستخدام. وأكثر ما يقلق موسكو هو عزم الأميركيين بمجرد خروجهم من المعاهدة، على تطوير قنابل ورؤوس نووية صغيرة الحجم محدودة الأثر، ما سيمنحهم الشجاعة على استخدامها في أي حرب لأن آثارها ستكون محدودة، فيما ستتردد روسيا كثيراً قبل استخدام أي من أسلحتها النووية التقليدية لأنها كلها كبيرة الحجم وتأثيرها كارثي.