IMLebanon

بلدية طرابلس ساحة كباش بين «المستقبل» و«الحرّ»

  

 

أوحت تطوّرات يومي الخميس والجمعة الماضيينِ، على خلفية الإشكال الذي نشب بين محافظ الشمال رمزي نهرا ورئيس بلدية طرابلس رياض يمق، يوم الأربعاء الماضي، أن الأمور في عاصمة الشمال لن تهدأ قبل إقالة نهرا من منصبه، أو على الأقل اعتذاره عما بدر منه تجاه رئيس بلدية المدينة.

 

لكنّ سقف التصعيد ما لبث أن انخفض بشكل لافت نهاية الأسبوع، بعد قيام أكثر من جهة بنزع فتيل التصعيد والتوتير، بدءاً من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي أعطى توجيهاته لوزير الداخلية محمد فهمي، «بفتح تحقيق في الإشكال» بين نهرا ويمق، وردّ فهمي أنّه أرسل إلى رئيس التفتيش المركزي «كامل الملفات المتعلقة بالإشكال» بهدف «إجراء التحقيقات اللازمة بهذا الخصوص». وأكّد يمق أنه «تحت القانون، والتفتيش المركزي هو الجهة الصالحة للتحقيق في ما حصل لإظهار الحقيقة».

أسباب كثيرة دفعت المعنيين للمسارعة إلى احتواء القضية وعدم دفعها أكثر نحو التصعيد، وإلى تبريد الأجواء ووضعها في عهدة الجهات القضائية المختصة، نظراً إلى ما تمثله من توتر ومخاطر على الاستقرار في طرابلس والسلم الأهلي في لبنان، بعدما لامست الأمور الخطوط الحمر.

فما حصل يوم الأربعاء الماضي في مكتب نهرا بسرايا طرابلس لم يمرّ على خير، إذ أن استدعاء يمق للتحقيق معه في حريق مبنى البلدية الذي وقع في 29 كانون الثاني الفائت، بناءً على طلب من فهمي الذي كان تلقّى مسبقاً كتاباً من نهرا بهذا الخصوص، كان بمثابة كرة ثلج تدحرجت سريعاً، وجعلت طرابلس تعيش أجواء احتقان كبيرة، في ضوء مواقف سياسية ندّدت بما قام به نهرا من “امتهان لكرامة المدينة”، وتحرّكات شعبية على الأرض مناهضة للمحافظ.

روايتان متناقضتان قصّهما نهرا ويمق كلّ من وجهة نظره؛ فرئيس بلدية طرابلس قال في مؤتمر صحافي عقده في اليوم التالي من الإشكال، إنه بعد تصويره محضر التحقيق الذي أُجري معه بواسطة هاتفه الخلوي، «طلب مني المحافظ مسح الصور فرفضت، فقال أعطني هاتفك أو لن تخرج من هنا، قبل أن يستدعي نحو ستة أشخاص لاحتجاز حريتي لوقت غير قصير، الأمر الذي اعتبرته عملاً إرهابياً لمنعي من الخروج». واتهم يمق المحافظ بأنه «يتمتع بنفسية ميليشيوية تجاه طرابلس»، معتبراً أن «التعاون معه صعب جدّاً، ونفضّل في إطار القانون التعاون مع وزير الداخلية».

ما أقدم عليه نهرا من “تعامل غير لائق” مع يمق ليس الأول من نوعه، إذ أقدم المحافظ على ما يشبهه مع آخرين قبله. ذكّر «الريّس» بأنّ المحافظ «تصرّف بنفس الطريقة المعيبة مع الرئيس السابق للبلدية أحمد قمر الدين، كما حاول ابتزاز رئيس بلدية الميناء السابق عبد القادر علم الدين، وحاول التهجم عام 2017 بهراوة مجهزة بمسامير حديدية على مدير الوكالة الوطنية للإعلام في طرابلس الزميل عبد الكريم فيّاض، محاولاً ضربه ومهدّداً إيّاه بالقتل».

أما نهرا فأشار إلى أنّ «التحقيق مع رئيس البلدية حصل وفقاً للقوانين والأخلاقيات الواجبة والأنظمة المرعية»، موضحاً أن يمق «أثناء توقيعه على أقواله، عمد إلى مغافلة المحافظ وتصوير أجزاء من محضر التحقيق، الأمر غير الجائز قانوناً، فتم الطلب منه مسح الصور عن هاتفه فأبدى امتعاضاً وأثار جدالاً في غير مكانه. ولم يقم أحد من الحراس بمحاولة انتزاع هاتفه أو لمسه أو توجيه أي كلام إليه، وتم تخييره بين مسح تلك الصور أو تدوين الواقعة في المحضر، فاختار تدوينها».

هاتان الروايتان تقابلهما رواية ثالثة خطّها 8 أعضاء في بلدية طرابلس معارضين ليمق، كانوا قد وجّهوا في 12 شباط الماضي، بعد نحو أسبوعين من حريق مبنى البلدية، كتاباً إلى فهمي ناشدوه فيه «التوسّع في التحقيق ليشمل أصحاب القرار المقصرين»، و«التحقق ممّا ورد في اجتماع المحافظ ورئيس البلدية، الذي أفادنا بأنّه تم رفض طلبه القيام بأمن ذاتي لحماية الأملاك العامة والخاصة داخل المدينة». وطالب الأعضاء بالتحقيق مع رئيس بلدية طرابلس وقائد شرطة البلدية «لمعرفة سبب عدم وجود عناصر الشرطة خلال الهجوم التخريبي على القصر البلدي».

 

الخلاف بين المحافظ ورئيس البلدية دفع بنواب المدينة إلى الطلب من فهمي كف يد المحافظ

 

 

عضو المجلس البلدي نور الأيوبي، وهو أحد الأعضاء الـ8 الموقّعين على الكتاب، أوضح أن «الخطأ موجود عند 3 أشخاص. الأول وزير الداخلية الذي كلّف المحافظ بالتحقيق مع رئيس البلدية رغم أننا طلبنا التحقيق معه؛ والثاني نهرا الذي تعامل بطريقة غير لائقة مع يمق، ويمق الذي حوّل القضية إلى خلاف سياسي، بينما هي إدارية وبلدية».

في موازاة ذلك، دفعت علاقة نهرا المتوتّرة مع فاعليات طرابلس نوّاب المدينة إلى اغتنام الفرصة وإصدار بيان دعوا فيه فهمي «الذي تجاوب مشكوراً بسحب ملف البلدية من المحافظ، إلى كفّ يد هذا الأخير عن إدارة مهام المحافظة وإحالته على التفتيش المركزي»، معتبرين أن «ثمّة علاقة متوترة جدّاً بين قيادات طرابلس وفاعلياتها وأبنائها وبين محافظ الشمال، الذي باتت لديه سوابق في الإساءات والمخالفات والاستفزازات».

هذا التصعيد في المواقف تبعه تشنّج على الأرض، بعد الدعوة إلى تنفيذ اعتصام أمام سرايا طرابلس، يوم الجمعة الماضي، أقيم أمام مسجد الصديق المقابل للسرايا حيث أمّ المصلّين شيخ قرّاء طرابلس الشيخ بلال بارودي، بحضور الرئيس السابق لهيئة العلماء المسلمين الشيخ سالم الرافعي وإسلاميين. مصادر مطلعة أوضحت لـ«الأخبار» أن «بقاء التحرّك تحت السقف وتنفيسه، يعود إلى معلومات أمنية أفادت بأنّه يجري الإعداد لتحرّك مماثل على الأرض في البترون دعماً لنهرا، وأنّه جرى احتواء الموقف قبل تطوّره سلباً».

وأشارت المصادر إلى أنّ «القضية تحوّلت إلى كباش سياسي ليس خافياً بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ، الذي يُحسب نهرا عليه، كانت بلدية طرابلس ساحته»، معتبرة أنّ «حضور منسّق تيار المستقبل في طرابلس بسام زيادة ونقيب محامي طرابلس محمد المراد، وكلاهما محسوبان على تيار المستقبل، إلى جانب يمق خلال مؤتمره الصحافي، دون غيرهما من ممثلي الأحزاب والتيّارات السياسية، يدلّ على أن التصعيد على الأرض كان المستقبليون يقفون وراءه».