IMLebanon

التوافق المدني فرصة للنهوض السياسي

 

شهدت مدينة طرابلس استحقاقاً انتخابياً مختلفاً عن سابقاته من حيث التحالفات ونتائجها أو لجهة تشكّل خيارات الرأي العام بعد غياب طويل عن الانتخابات البلدية التي جاءت بعد قرابة تسع سنواتٍ عجاف كانت الأسوأ في تاريخها ساد فيها الانقسام والتناحر ونزلت فيها الكوارث من كورونا إلى الانهيار وليس انتهاءً بفلتانٍ أمنيّ واسع النطاق أتى على مركز البلدية وهجّر أغلب المصارف ودمّر اقتصاد وسمعة الفيحاء، ولهذا كانت انتظارات أهلها كبيرة وتوّاقة للتغيير والخروج نحو مساحات الأمان والتطوير والازدهار، لكنّ الاصطفاف السياسي الهجين حلّ في ربوع المدينة وفرض معركة انتخابية حملت رسائل يجب قراءتها والبناء عليها في المرحلة المقبلة.

 

 

 

لم يستطع النواب الأربعة أشرف ريفي، طه ناجي، فيصل كرامي وكريم كبارة، أن يتجاوزا عتبة الـ 9 % من أصوات الناخبين التي لم تتجاوز الـ 25 % في إشارة إلى تصويتٍ عقابي تجاه لائحة السياسيين وانقسمت أصوات الطرابلسيين إلى قسمين: 33 % للنواب الأربعة مجتمعين و67% للمجتمع المدني.

 

 

 

استطاع السياسيون تجميع تناقضاتهم في لائحة واحدة هي لائحة “رؤية طرابلس” بينما عجزت قوى المجتمع المدني عن التحالف في ما بينها رغم التقارب الكبير بينها على مستوى الرؤى والمشاريع والتوجهات، فانقسمت إلى خمس لوائح وتوزعت أصوات المجتمع المدني إلى 32,9 % للائحة نسيج طرابلس و 22,2 % للائحة “حراس المدينة” و5,4 % للائحة طرابلس عاصمة و 3,5 % للائحة “سوا لإنقاذ طرابلس” و 3,2 % للائحة “الفيحاء”.

 

 

 

كان الثقل الأساس لجمعية “عمران – لائحة نسيج طرابلس” ثم لـ”حراس المدينة” ولو أنّ التوافق حصل بينهما لحصلا على 55 % من الأصوات بما يوازي 24 عضواً ولكانوا اكتسحوا المجلس البلدي في المدينة اكتساحاً كاملاً.

 

 

 

تُظهر الوقائع أنّ اللوائح الثلاث غير الأساسية نشأت تحت وطأة ضغوط تشكيل اللوائح في الساعات الأخيرة قبل الانتخابات، ولهذا لم تحمل مشروعاً ولا خطة ولا انسجاماً، باستثناء لائحة “للفيحاء” ولو أنّ أصحابها انسحبوا لصالح المجتمع المدني والتوافق لرفعوا حصة المجتمع المدني من 12 مقعداً إلى 16 أو عشرين مقعداً، حسب اتجاهات التصويت لأيّ لائحة سيصبّون أصواتهم.

 

 

 

إنّ قراءة هادئة ومتأنّية لتوزيع الأصوات في انتخابات طرابلس البلدية تعطي فكرة واضحة عن التحوّل الذي يشهده الرأي العام الطرابلسي: فهو رافضٌ للهيمنة السياسية الهجينة التي جمعت النائب أشرف ريفي مع النائبين طه ناجي (الأحباش) وفيصل كرامي (تيار الكرامة الممانع) مع النائب كريم كبارة الذي بات بلا طعم ولا لون في السياسة.

 

 

 

لم يتقبّل أهل طرابلس هذه المحاولة الفوقية لفرض الخيار البلدي التحاصصي بين النواب الأربعة، خاصة أنّهم لم يسبق أن التقوا على مشاريع جدية لخدمة المدينة، كما لم يتقبّلوا أيضاً اصطفاف النائب ريفي مع الأحباش وكرامي اللذين ما زالا يغرِّدان حتى الساعة في محور “حزب الله” وإيران.

 

 

 

إنّ التعريف الذي تقدّمه طرابلس للمجتمع والعمل المدني مختلف عن المسار الذي حرفه بعض نواب التغيير الذين أساؤوا إلى الشأن المدني والسياسي وخرّبوا النسيج الوطني وأدخلوا موبقات الفساد وما يتفرّع عنها إليه، أمّا في طرابلس، فإنّ هذا العنوان يشير إلى نقاوة المجتمع وهويته الوطنية وحرصه على القيم وتمسكه الواضح بالسيادة والاستقلال.

 

 

 

إنّ الخلاصة التي يمكن تقديمها بعد استحقاق انتخابات طرابلس، وفي ضوء المبادرة الوفاقية التي أطلقها الدكتور مصطفى قراعلي لتوحيد لائحتي “نسيج طرابلس” وحراس المدينة” من خلال “مبادرة التوافق المدني” والجهود المبذولة لاستكمالها، تشكل فرصة لتوحّد المجتمع المدني وقد أدرك الآن قوته ونسبة توزّع قواه، وأن يتوجّه نحو مشروع وتحالف سياسي متكامل يحفظ للمكوِّنات خصوصياتها، ويُحسِنُ توظيف الطاقات في خدمة المدينة، وأبعد من ذلك، فإنّ السنّة الوطنيين يحتاجون إلى نشوء هذا المشروع في طرابلس ليكون فرصة للنهوض الوطني العام، نظراً لما تحمله الفيحاء من قدرات كامنة وطاقات كبرى تتوق لمواكبة التحولات الجارية في المنطقة والتي تتمحور بين السعودية وسوريا وتركيا، ليكون للبنان موقع في الخريطة السياسية الجديدة، فهل تتجاوز مكونات طرابلس المدنية حدودها الضيقة لتفتح الباب أمام مستقبل واعد وممكن التحقيق؟