بيتر بيكر- نيويورك تايمز
وبّخ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس، أمس، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بصوت عالٍ، في مشادة تلفزيونية متفجّرة لم يسبق لها مثيل في المكتب البيضاوي بين رئيس أميركي وزعيم أجنبي في العصر الحديث.
وبّخ ترامب وفانس الرئيس زيلينسكي بسبب ما اعتبراه نقصاً في الامتنان للدعم الأميركي في حرب بلاده مع روسيا، وسعياً لإجباره على قبول اتفاق سلام وفقاً للشروط التي يُمليها الأميركيّون. ومع تصاعد التوترات وارتفاع الأصوات، هدّد ترامب بالتخلّي عن أوكرانيا تماماً إذا لم يمتثل زيلينسكي.
وأثناء مقاطعته للزعيم الأوكراني، أجاب فانس زيلينسكي إنّه من «غير المحترم» أن يأتي إلى المكتب البيضاوي ليعرض قضيّته أمام وسائل الإعلام الأميركية، وطالبه بتقديم الشكر لترامب على قيادته. ثم تدخّل ترامب قائلاً لزيلينسكي: «أنتَ لستَ في موقف جيد حالياً. أنتَ تلعب بالنار في ما يتعلق بالحرب العالمية الثالثة. إمّا أن تتوصّل إلى اتفاق أو سننسحب. وإذا انسحبنا، فستخوض المعركة بنفسك، ولا أعتقد أنّ الأمر سيكون جميلاً».
كان هذا التبادل الكلامي أمام الكاميرات من أكثر اللحظات دراماتيكية التي حدثت علناً في المكتب البيضاوي، وسلّط الضوء على القطيعة الجذرية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا منذ تولّي ترامب منصبه. فقد اصطفّ ترامب فعلياً إلى جانب روسيا بينما ألقى زوراً باللوم على أوكرانيا في بدء الحرب، ووصف زيلينسكي بأنّه «ديكتاتور».
كانت زيارة زيلينسكي العاجلة إلى واشنطن، أمس، تهدف إلى تهدئة التوترات وإبرام اتفاق يُطالب به ترامب، ويقضي بتنازل أوكرانيا عن حقوقها في الموارد المعدنية بمليارات الدولارات كتعويض عن المساعدات العسكرية التي قدّمها الرئيس السابق جو بايدن والكونغرس على مدار السنوات الثلاث منذ الغزو الروسي الواسع في عام 2022.
بدا ترامب وكأنّه مستعد للتصالح مع زيلينسكي عندما أوضح للصحافيِّين يوم الخميس أنّه لا يتذّكر تعليقه عن كونه «ديكتاتوراً»، وأعرب عن احترامه للزعيم الأوكراني، مضيفاً: «هل قلتُ ذلك؟ لا أصدِّق أنّني قلتُ ذلك. السؤال التالي». وقد استقبله عند باب الجناح الغربي صباح أمس بحرس شرف، وتصافحاً بأدب لكن من دون دفءٍ واضح.
لكن اللقاء سرعان ما تحوّل إلى عداء بعد لحظات من جلوسهما في المكتب البيضاوي بحضور الصحافيِّين. حاول زيلينسكي، الذي كان يرتدي قميصه الداكن المعتاد بالأكمام الطويلة، شرح تاريخ الحرب مع روسيا، مشيراً إلى أنّها تعود إلى عام 2014 عندما استولت موسكو لأول مرّة على شبه جزيرة القرم واحتلت أراضي في شرق أوكرانيا.
لكنّ فانس قاطعه بحدّة وبدأ في مهاجمته قائلاً: «أعتقد أنّه من غير المحترم أن تأتي إلى المكتب البيضاوي وتحاول عرض قضيّتك أمام وسائل الإعلام الأميركية. يجب أن تشكر الرئيس». واتهم فانس زيلينسكي بشنّ «جولة دعائية» في الولايات المتحدة، وسأله ساخراً: «هل تعتقد أنّه من اللائق أن تأتي إلى المكتب البيضاوي وتهاجم الإدارة التي تحاول منع تدمير بلدك؟».
على رغم من ادّعاءات ترامب الأسبوع الماضي، فإنّ روسيا هي التي هاجمت أوكرانيا أولاً في عام 2014 ثم شنّت غزواً واسع النطاق في عام 2022. وعلى رغم من تعليق الانتخابات الأوكرانية خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب الأحكام العرفية، إلّا أنّ زيلينسكي أصبح رئيساً بفوزه الساحق في انتخابات عام 2019.
على النقيض، فإنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو ديكتاتور حقيقي، إذ وُصِفت انتخاباته على نطاق واسع بأنّها مزوّرة، كما أنّه يواجه مذكرة توقيف دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
في مؤتمر صحافي لاحق مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لم يردّ ترامب على سؤال حول ما إذا كان مديناً باعتذار لزيلينسكي بسبب وصفه له بالديكتاتور، بل اكتفى بالقول: «سنحظى باجتماع جيد جداً. لديّ الكثير من الاحترام له».
تناقضت لهجة ترامب الحادة الأسبوع الماضي تجاه زيلينسكي مع تقييمه للرئيس بوتين، الذي لم يتوقف عن الإشادة به منذ فوزه بولاية ثانية. هذا الأسبوع، وصف ترامب بوتين بأنّه «رجل ذكي جداً وشخص شديد الدهاء»، مضيفاً أنّه يعتقد أنّ بوتين «يُريد السلام فعلاً، سيَفي بوعده» إذا تمّ التوصّل إلى اتفاق، على رغم من انتهاكات روسيا المتكرّرة للاتفاقيات السابقة.
وعلى رغم من محادثاته الهاتفية مع بوتين، لم يوضّح ترامب كثيراً كيف يُخطِّط للتفاوض على وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام دائم. وخلال حملته الانتخابية العام الماضي، وعد بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة بل وقبل تنصيبه، لكنّه لم يفعل أياً منهما.
خلال المؤتمر الصحافي مع ستارمر، أعرب ترامب عن مزيج من التفاؤل والتشاؤم بشأن فرصه في تحقيق السلام، قائلاً: «أعتقد أنّه سيحدث، نأمل أن يكون سريعاً، إذا لم يحدث بسرعة، فقد لا يحدث أبداً».
عرض ستارمر وزعماء أوروبيّون آخرون إرسال قوات للمشاركة في قوة حفظ سلام متعدّدة الجنسيات في أوكرانيا بعد توقف القتال، لكنّ ترامب قاوم الضغوط للمساهمة بقوات أميركية، حتى من دون قوات برية، أو لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا ضدّ أي عدوان روسي جديد. منذ تولّيه منصبه، طالب ترامب أوكرانيا بالتنازل عن جزء من مواردها الطبيعية كتعويض عن المساعدات العسكرية التي قدّمتها إدارة بايدن لحماية نفسها من روسيا. وبينما ادّعى ترامب زوراً أنّ الولايات المتحدة قدّمت 350 مليار دولار، بينما ساهمت أوروبا بـ100 مليار فقط، فإنّ البيانات الفعلية من معهد كيل للاقتصاد العالمي تُظهر أنّ أوروبا خصَّصت 138 مليار دولار مقارنة بـ119 ملياراً من الولايات المتحدة.
وبموجب مسودة اتفاق المعادن النادرة التي اطلعت عليها صحيفة «نيويورك تايمز»، ستساهم أوكرانيا بنسبة 50% من عائداتها المستقبلية من استغلال الموارد الطبيعية، بما في ذلك المعادن الحيوية، النفط، والغاز. ووصف ترامب الاتفاق يوم الخميس بأنّه فرصة للتنمية الاقتصادية، قائلاً: «سيكون مفيداً لكلا البلدَين».