وصلت في الأيام الماضية رسائل شديدة اللهجة إلى لبنان، مفادها أنّ «نزع سلاح «حزب الله» ليس خياراً، بل هو حتمية، تحت طائلة تحمّل لبنان كامل المسؤولية». ثم تبعتها تهديدات، بشأن جهوزية الإسرائيليِّين لـ «توسيع عملياتهم» ضدّ الحزب، بالتزامن مع تخلٍ دولي وعربي محتمل عن لبنان، في حال عدم اتخاذ قرار حصرية السلاح. بعدها وصل التهويل في الساعات الماضية، إلى حدود: «إنّ عمليات إسرائيل، لن تقتصر على العمل العسكري، بل أنّ لبنان مهدّدٌ بمنعه من استيراد النفط والقمح، وتقييد الحوالات المالية». قد تكون الرسائل مجرّد ضغوطات على لبنان، وقد تكون تهديدات جدّية، خصوصاً أنّها أتت بعد تجميد الأميركيِّين مهمّة السفير توم برّاك، إلى حين قيام لبنان بخطوات تنفيذية.
جاء قرار رئيس الجمهورية جوزاف عون بالتوجّه إلى اللبنانيِّين، في عيد الجيش، انطلاقاً من المستجدات السياسية، وبعدما أبلغ الأميركيّون القيادات اللبنانية، بوجوب التصرّف قبل فَوات الأوان.
حدّدت إحدى الرسائل مهلة أيام فقط، قبل سحب واشنطن يدها من الملف اللبناني. كما تكرّرت الإشارات العربية والأوروبية التي تحذّر، في السياق عينه: «عليكم أن تختاروا سريعاً، ما هو قراركم؟»، وهو ما وصل أيضاً إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وما سمعه رئيس الحكومة نواف سلام خلال زيارته فرنسا.
كان تعامل القيادات اللبنانية على مستوى الحذر الشديد، ممّا يُحضّر للبنان، وهو ما تبلّغته قيادة «حزب الله» أيضاً، لكنّ الجواب جاء في كلمة الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «فليُوقِف الإسرائيليّون إعتداءاتهم، ولينسحب الاحتلال الإسرائيلي من النقاط المحتلة، ثم نناقش بإيجابية ملف السلاح».
كان رئيس الجمهورية حدّد قبل زيارته الجزائر، أنّه سيخاطب اللبنانيِّين. اختار موعد عيد الجيش، وفي وزارة الدفاع تحديداً، في رسالة وطنية واضحة، للداخل والخارج، ليضع الأولويات أمام مجلس الوزراء والقوى السياسية.
لم يَقل الرئيس عون فقط بحصرية السلاح بيَد الجيش والقوى الأمنية، بل أشار إلى النقاط الاستراتيجية، التي تضمّنتها الورقة اللبنانية. وهي تتجسّد في وقف الإعتداءات الإسرائيلية، وانسحاب إسرائيل خلف الحدود الدولية، إعادة الإعمار، والأسرى، دعم الجيش اللبناني، وحل مسألة النازحين، إلى جانب سحب السلاح. ممّا يعني أنّ الخطة متكاملة، ولا تقتصر على بندٍ أو بندَين.
ترى مصادر سياسية مطّلعة أنّ قوّة خطاب الرئيس عون، تكمن في قراره تحمّل الدولة اللبنانية مسؤولياتها تجاه الجنوب تحديداً، في الدفاع والإعمار وحماية السيادة. وهي قضايا لا تستطيع البيئة الحاضنة لـ«حزب الله» أن ترفضها، باعتبار أنّ فكرة «المقاومة»، ترعرعت في ظل غياب الدولة، تاريخياً عن الجنوب، وهو ما كان محوَر مطالبات الإمام موسى الصدر في ستينات وسبعينات القرن الماضي. فلم يخرج رئيس الجمهورية عن ذاك الإطار، وتحدّث عن دور ومسؤولية الدولة اللبنانية، التي سيكون السلاح فقط بأيدي جيشها وقواها الأمنية.
لا تستطيع بيئة «حزب الله» رفض جوهر طرح الرئيس عون، وهو الذي يدغدغ عملياً أفكار وجهود برّي. كما أنّ عون تقصّد في خطابه، أن يوجّه التحية للشهداء والذين «قاوموا» من أجل لبنان، مذكّراً أنّ الجيش واجه المحتل، وسقط له شهداء أيضاً، ممّا يعني أنّ عقيدة المؤسسة العسكرية قائمة على مواجهة الاحتلال والدفاع عن لبنان. وهذا ما يفرض الثقة عملياً بالمؤسسة العسكرية اللبنانية، بإعتبارها الضمانة للبنانيِّين وحمايتهم.
قال رئيس الجمهورية كلمته، لكنّ القرار تتخذه القوى السياسية التي دعاها «لاقتناص الفرصة التاريخية». فكيف ستتصرّف؟
ما طرحه الرئيس عون يشكّل مادة نقاش سياسي، نقله من الاتهامات المتبادلة إعلامياً، إلى أن يكون على طاولة مجلس الوزراء، مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدفاع. ممّا يعني إبعاده عن السجالات السياسية، والمزايدات الإعلامية المفتوحة، التي قد تؤدّي إلى الضرر بسلام لبنان الداخلي.
وبحسب المعلومات، فإنّ «حزب الله» الذي التزم الصمت إزاء خطاب الرئيس عون، يُجري اتصالات مع الرئيس برّي، للوصول إلى معادلة، لم تتحدّد بعد، قبل جلسة مجلس الوزراء التي ستنعقد الثلاثاء المقبل. لكنّ مصادر مطلعة تتحدّث عن إمكانية تمايز حركة «أمل» في تعاطيها مع الجلسة، والقرار الذي سيُتخذ، علماً أنّ رئيس المجلس النيابي يواصل جهوده للخروج بموقف لبناني جامع، لم تتضح صيغته النهائية بعد.
يُمكن اعتبار مساحة 4 أيام، كافية زمنياً، لإيجاد تسوية، وإلّا سيكون لبنان أمام خلاف، لا يُريده أحد، أن ينسحب إلى مجلس الوزراء، ولا إلى الشارع، وخصوصاً أنّ رئيس الجمهورية تحدّث عن خيارَين: الإستقرار أو الإنتحار.