IMLebanon

أكاديمي تونسي من داعم لـ «حزب الله» إلى رافض لدوره المرتزق

سنة 1996، وخلال العدوان الصهيوني على لبنان في شهر نيسان/افريل، كنت في زيارة للأهلي في تونس بعد غياب 5 سنوات، ولكنني عدت إلى بيروت وحطت بي الطائرة في المطار بعد ساعتين من التحليق في الجو، بسبب غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت المحاذية للمطار. رجعت الى بيروت رغم حالة الحرب لأنني اعتبرت نفسي معنيا بها، وكأنني واحد من ذلك الشعب الجبار، وأخذت سيارة أجرة إلى منزلي في الفاكهاني في الطريق الجديدة، وكانت الشوارع مقفرة. وفي الغد، ذهبت للاطمئنان على أصدقائي في الضاحية الجنوبية، بعد أذ تعذر عليَّ التواصل معهم عبر الهاتف. وفيما أنا في حارة حريك بجانب بيت العلامة السيد محمد حسين فضل الله، وقعت غارة إسرائيلية وشاهدت بأم عيني مواجهة مباشرة بين الاباتشي وبين مدفعية ميدان تم وضعها فوق شاحنة رباعية الدفع 4/4، ولم اختبئ لأنني لأول مرة أعيش معركة مباشرة. كانت الاباتشي متركزة فوق بئر حسن، وهو اكبر موقع للجيش السوري بجانب السفارة الكويتية والذي لم يحرك أي مضاد ارضي، حتى انتبه لي بعض مقاتلي حزب الله المكلفين بحماية بيت العلامة فضل الله، وقد عرفني احدهم وخاطبني قائلا: ألست التونسي صديق بيت الموسوي، فقلت له نعم قال لي ارجع إلى بيتك أصدقائك بخير وهم في خلده عند أقاربهم؛ فغادرت الميدان بعد نصف ساعة بعد انتهاء الغارة .

سنة 2006 وخلال عدوان تموز على لبنان، عشت الحرب وأنا في تونس بعد زواجي بشهرين، عشتها متأزما أتابع الاخبار عبر كل القنوات الفضائية وأحسّ وكأنني معني من خلال أحبة وأصدقاء تركتهم هناك سنة 2001، بعد مضي 10سنوات مرت من العمر بحلوها ومرّها، وعشت مع الشعب اللبناني بكل فئاته وطوائفه. كان لي أصدقاء بالجامعة من حزب الله حتى الحزب الشيوعي ومن شيعة ودروز ومسيحيين والقلّة من السنة .

أكلت ونمت في الباروك عند أصدقائي من عائلة محمود الدرزية ونمت وأكلت عند أصدقائي المسيحيين في برمانا المنطقة الرائعة من جبل لبنان، وذلك عند بيت عائلة بشارة الذين كان يعتقد الجيران إنني ابن ابنتهم لأنني سكنت عندهم بالإيجار مدة 5 سنوات، حيث عملت في قطاع السياحة صيفا.

في كلتا الحربين، كنت داعما ومتحمسا للمقاومة وكل عمل مقاومة، ولا أتسامح مع من يتهمها بأنها جرّت لبنان إلى الحرب. وبالرغم من إننا كنا نتضرر من تلك الحرب، حيث لا يأتي السياح، خاصة العرب الخليجيين خوفا من الحرب أو لانقطاع الكهرباء بسبب قصف الطيران الصهيوني لمحطات الكهرباء من الجنوب وصولا لمحطة الذوق شمالاً.

لكن ماذا تغير سنة 2016؟

كنت منذ البداية أتمنى أن لا ينخرط حزب الله والسيد حسن نصرالله في هذه الحرب القذرة، وأنا أشاهده اليوم في 24 حزيران/جوان في خطابه أجده يجافي الحقيقة. فالفرق واضح بين مقاومين يدافعون عن وطنهم لبنان وقضيته، وبين مقاومين يقاتلون في حلب ودرعا يقتلون أطفال ونساء سوريين. كيف لمقاوم أن يقتل طفل أو امرأة وما هي مبررات مقاوم لينخرط في حرب بين شعب ونظامه وجيشه. حاولت أن افهم، فلم استطع مع إنني تطورت علميا ومعرفيا ما بين 1996، وانا متخرج حديثا من الجامعة اللبنانية، وأنا في العام 2016 ادرّس التاريخ وتاريخ الحركة الوطنية التونسية وادرس تاريخ العلاقات المغاربية الفرنسية لطلابي وأنجزت منذ 1996الى 2016 أطروحتين جامعيتين وأكثر من 20 مقالاً ودراسة علمية وشاركت في أكثر من 10 مؤتمرات تاريخية عالمية واحتككت بعشرات المؤرخين والباحثين عرب وأجانب .

لم أجد تفسيرا واحدا لأبرر به دخول حزب الله الحرب السورية، سواء دفاعه عن النظام الحليف لدولة ولاية الفقيه والملالي الإيرانيين، باعتبار أن آل الأسد يخدمون المشروع الإيراني في المنطقة، ولولا التدخل الإيراني وحلفائه من مختلف المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وأفغانستان، والتدخل الروسي بالطيران والدعم المادي واللوجستي لما صمد نظام آل الأسد .

لقد وجدت خطاب نصرا لله باهتا غير مقنع يبرر مقتل شباب في عمر الورد من القرى الشيعية الفقيرة المترامية من البقاع إلى الجنوب وتدفن جثامينهم في قراهم وحسرة أمهاتهم الثكلى في هذا الشهر اللواتي يحترن في تسميتهم شهداء او قتلى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل سوى ان نظام الملالي في إيران يعمل للحفاظ على نظام الأسد لخدمة مشروعه الهادف للإطلال على البحر المتوسط ومن اجل عدم كسر الهلال الشيعي من إيران إلى لبنان عبر سوريا والعراق. العراق العدو اللدود الذي يستمتع نظام الملالي في تفتيته عبر إشعال الفتن الداخلية بين مكوناته معتمدين على أحزاب موالية للولي الفقيه وتقبض بالدولار وتساهم في تدمير بلدها العراق المجيد الذي هزم الفرس في معركة القادسية منذ 1400 سنة. ومنذ تلك اللحظة التاريخية يحقد الفرس على العراق ويعملون على تدميره بشتى الطرق .

عذرا يا سيد نصرالله، لم أعد قادرا الدفاع عنك وعن مقاومتك واحتراما لتاريخي وتكويني القومي العروبي والأكاديمي أترفع عن استخدام عبارات غير لائقة. لكنني أقول لك انك وضعت نفسك في مواجهة الشعوب العربية التي كانت تتظاهر 1996 و2006 لدعمك ودعم مقاومة رجال الله الذين حولتهم إلى مجرد مرتزقة يقتلون أبناء جلدتهم السوريين الطيبين الذين احتضنوهم هم وأهاليهم في الحروب السابقة 996و2006 في منازلهم المتواضعة واقتسموا معهم رغيف الخبز تلك هي نفس البيوت التي تهدمها على رؤوسهم .

اتق الله في شعب نزلت على رأسه مصائب الأرض وأدعو صديقك بشار الأسد للرحيل إلى إيران إلى روسيا إلى حيث يريد، لان عودته للحكم بعد 5 سنوات من القتل تبدو صعبة المنال بعد تشريد 3 ملايين سوري وتهجير 6 ملايين وقتل مئات الآلاف من البشر الأبرياء.

() أستاذ التاريخ في جامعة قفصة