IMLebanon

المشهد التركي الجديد  والمشهد الصيني القديم

لا حدود للرد التركي الاحترافي على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي بدت شغل هواة. واذا كانت حركة الاعتقالات في صفوف الانقلابيين مسألة طبيعية، فإن عملية التطهير الواسعة في قطاعات الدولة والمجتمع أكثر من استثنائية. عشرات الآلاف من القضاة والمدعين العامين ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات وأساتذتها والمنتسبين الى سلك التعليم والضباط والجندرمة والشرطة هم بين موقوف عن العمل ومسرّح من الوظيفة ومعتقل. والسبب المعلن هو الاشتباه بعلاقة هؤلاء مع جمعية خدمة ومؤسسها المطلوب استرداده من أميركا الداعية فتح الله غولن.

مشهد يعيد التذكير بمشهد صيني خلال الثورة الثقافية التي أطلقها ماوتسي تونغ، بصرف النظر عن الفوارق الكبيرة في الزمان والمكان والظروف والشخصيات. ماو أراد تكريس وحدانيته على رأس الحزب والدولة والمجتمع تحت عنوان تجديد الثورة وتطهير الحزب الشيوعي من الفاسدين وحاملي بعض العادات والأفكار البورجوازية أو المؤمنين ب الكونفوشيوسية. وكانت النتيجة إفراغ الحزب والبلد من القيادات والكادرات التي أعطي للشبان الصغار سلطة محاكمتها وطردها من الوظائف والمراكز واهانتها. ولم يكن ممكناً وقف الانهيار والوصول الى ما وصلت اليه الصين اليوم لولا دينغ هسياو بينغ الذي تحمل الاهانات والعذاب ثم أعاد الواقعية العقلانية الى الصين بعد وفاة ماوتسي تونغ وإنهاء عصابة الأربعة.

والرئيس أردوغان الذي يريد تغيير النظام البرلماني لاقامة نظام رئاسي ويمارس رئاسة نظام رئاسي خلافاً للدستور، يريد تغيير الدولة والمجتمع تحت عنوان تطهير البلد من جماعة غولن. والسؤال هو: من يحلّ محلّ عشرات الآلاف من الذين صاروا خارج الوظائف والمدارس؟ والجواب بالطبع انهم أنصار أردوغان الأعضاء في حزب العدالة والتنمية. والمعنى البسيط لذلك ان تصبح تركيا دولة الرجل الواحد، والحزب الواحد عملياً.

لكن ما يرافق العمل الاحترافي في الداخل هو كلام هواة في مخاطبة العالم. فما يقوله رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء للعالم هو: اتركونا نفعل ما نريد لأننا لا نقبل منكم أي انتقاد ولا نعتبر أي انتقاد سوى دعم للانقلابيين. وما يلوح به أردوغان، وهو العودة الى الحكم بالاعدام، ليس سوى فتح مشكلة مع حلف الناتو وإغلاق نافذة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على العضوية. ولا مصلحة لتركيا في الخروج من الناتو، ولا في ادارة الظهر الى النادي الأوروبي. ولا مهرب من أن ينعكس التغيير في الداخل على السياسات الخارجية.

ليست محظوظة البلدان التي تحتاج الى أبطال كما يقول برتولد بريشت. وهذه حال تركيا، لا حال أردوغان المحظوظ الذي يلعب دور البطل.