IMLebanon

توافق رئاسي غير مُعلن لتأجيل قانون العفو

 

تجزم اوساط سياسية على صلة بملف العفو الذي يتم درسه وتمحيصه بين السراي واللجنة المختصة لاعداده مع وزارة العدل  على ان قانون العفو الذي كان سيصدر في هذا الشهر او بداية آذار على ابعد تقدير عاد الى الأدراج بعد التعقيدات الكثيرة والاشكاليات التي اعترضت هذا الملف الذي يصعب تنفيذه نظراً لدقة الوضع اللبناني وحساسيته ولاشتباك اهداف هذا المشروع وما يمكن ان يسببه من تداعيات، فان يشمل العفو الاسلاميين المجرمين بقتل عسكريين فتلك مصيبة لا احد قادر على تحمل تداعياتها فيما اهالي الشهداء العسكريين بالمرصاد يتوعدون ويتهددون بالاخذ بالثأر بايديهم اذا ما شمل العفو قتلة ابنائهم.

التجاذب على الأرض بين اكثر من طرف أعاد عقارب الساعة الى الوراء، الى ما قبل طرح هذا الملف ووعد رئيس الجمهورية ان يتضمن عهده العفو العام وما قاله رئيس الحكومة في اكثر من مناسبة لاهالي الاسلاميين الذين زاروه متوسطين في هذا الملف لتسوية تشمل بعض الموقوفين الاسلاميين، ولكن الملف أقفل بعد تحويله الى رئيس الحكومة كما تسربت المعلومات على اتفاق غير معلن بين الرئاسات على تأجيل الموضوع، خصوصاً وان تداعياته انفجرت في وجه رئيس الحكومة بعد خطاب البيال الذي رأت فيه اوساط الموقوفين الاسلاميين تخاذلاَ وتراجعاً بقول محامي الموقوفين» الحريري خذلنا في خطاب البيال وهو ناقض وعده في زيارات سابقة لبيت الوسط».

ولكن لا هذه الصيغة ولا تلك هي وحدها السبب في تأجيل او تأخير القانون وحدها، فالاوساط التي تعرف ماذا يحتوي الملف تتحدث عن قضية كبيرة وملف ضخم بتناقضاته وبالخلافات السياسية  حوله وما تريده الطوائف.

فالعفو هو مطلب وطني جامع وكل الاحزاب والقوى السياسية تتطلع اليه ولكن الغوص في دهاليزه يظهر حقائق فظيعة ووقائع يصعب التعامل معها، فالانتخابات النيابية كانت الحافز الاول لاصدار العفو فضلاً عن مشاكل اكتظاظ السجون كما ان رئيس الجهورية يتطلع الى عفو عام أسوة بكثير من الدول التي تعتمد هذا النموذج، ولكن التطبيق على ارض الواقع اصطدم بمعوقات كثيرة عندما سارت الرياح بما لا تشتهي سفن السياسيين. الملف هو بدون شك  ملف كبير ودقيق يفترض التعامل به بدراية وموضوعية لتفادي ارتكاب فاولات او اخطاء وليكون في مساره الصحيح.

تبين من بداية طريق قانون العفو والبحث في حيثياته ان التقسيم سيكون على الشكل التالي: الاسلاميون للحريري ومطلوبي البقاع  للطائفة الشيعية  والفارون الى اسرائيل للمسيحيين. وبعد ذلك برزت العقدة في ملف الاسلاميين مع التطورات التي ظهرت في هذا الملف وتحركات اهالي الشهداء فيما تبين ان ملف الشيعة هو الاضخم ايضاً بسبب كثافة مذكرات التوقيف بحق المطلوبين بجرائم المخدرات.

الاشكالية الاكبر تعرض لها رئيس الحكومة فالحريري كان دائماً المطالب الاول من جمهوره السني بالعفو وتبين انه سعى للعفو في اطار ما يسمى بالتعبئة السنية وحشد الجمهور الذي يئن تحت وطأة الملف على مراعاة ملف الاسلاميين ولكن بدون ان يشمل قتلة العسكريين. لكن رئيس الحكومة اصطدم بتبعات ما حصل تحت ضغط اهالي الاسلاميين الموقوفين في سجن رومية الذين لا يمكن ان يشملهم الملف خصوصاً وبعد ان رسم  رئيس الجمهورية  خطاً احمر امام العفو للارهابيين ولقاتلي ضباط وعناصر الجيش اللبناني وفي مقدمة هؤلاء الأسير ومجموعة عبرا. وكل من تلطخت ايديهم في الدولة اللبنانية بدماء العسكريين.

ومع ضغوط وتسويات او محاولات قام بها اهالي الموقوفين الاسلاميين ومحاميهم عبر اظهار صورة الحكم بحق موقوفي عبرا والشيخ احمد الأسير بانه ليس عادلاً في اطار التفاوض للدخول على خط العفو،فان رئيس الجمهورية ومعه حزب الله وقفا بالمرصاد والتصدي بشكل قاطع لشمول  العفو الاسلاميين المتهمين بالاعتداء على الجيش وهذا ما اربك رئيس الحكومة امام طائفته، وعليه تعقد اصدار القانون.

ولكن المرسوم لم يدخل كلياً في اطار النسيان فثمة قرار بعدم اخفائه  ولكنه يحتاج الى الوقت والى الدراسة العميقة لعدم حصول اي خلل في هذا الملف بعدما كشفت الدراسات عن اعداد كبيرة من الموقوفين والملفات التي يمكن ان يشملها العفو، وعليه عاد العفو الى الكواليس والى السرية المطلقة وهو حتماً سائر اليوم الى التأجيل لحراجة الموقف الداخلي وتفادي اي اخطاء خصوصاً وان الحكومة تواجه مسلسل الاعتداءات الاسرائيلية على البلوك النفطي وحصة لبنان البترولية. ولعل اهون ما في المشروع هو ملف الهاربين الى اسرائيل نظراً لعددهم المحدود (حوالي ثلاثة  آلاف).

ملف العفو  كاد يكون حاجة للقوى السياسية لتعويم شعبويتها اضافة الى الحاجة العملية له، حيث يستفيد منه الموقوفون في السجون والاقطاب لترتيب وضعيتهم كل من منظاره ومصلحته الخاصة، فحزب الله مرهق من اعداد «الطفار» والهاربين من العدالة لجرائم المخدرات والتيار الوطني الحر يريد انهاء ملف المتهمين بالفرار الى اسرائيل او المبعدين قسراً كما يسميهم رئيس الجمهورية، والحريري يعيش ثقل ملف الاسلاميين والمطالبات الدائمة له وللنائبة بهية الحريري بتسوية الملف.

وفي هذا كله الكلمة الاولى هي لرئيس الجمهورية فقانون العفو سيخضع اولاً وآخراً لتوجيهات رئيس الجمهورية الذي قالها بالفم الملآن لاهالي العسكريين الشهداء «لن أوقع على عفو لمن قتل ابنائكم العسكريين»، فالكلمة الرئاسية هي الاساس ورئيس الحكومة يتماشى في هذا الملف مع المصلحة الوطنية وهذا ما أدى الى التأجيل لبعض الوقت لتفادي الزلات والاشكاليات.