كل الأبواب مفتوحة اليوم أمام السلطة، لا شيء يمنعها من إستكمال بسط سيادتها مثلا، على الجنوب وعلى الحدود وفي داخل العاصمة، وفي داخل البلدات والقرى. فهي مدعومة لتنفيذ ذلك، من جميع القوى الداخلية والخارجية، وفي الطليعة، أميركا وروسيا وفرنسا والمملكة.
لا شيء يمنع السلطة، عن القيام بواجباتها أمام المواطنين، جميع المواطنين. فهم اليوم أعظم حاجة لها، بعد عصر من المضايقات، وبعد عصور من التعدّيات والظلم والظلمات. يتطلّعون إلى حضورها اليومي بينهم بكل شغف وبكل شوق، تماما كما يتطلّع الأبناء إلى آبائهم في الأوقات الحرجة. يتأوّهون عند كل صباح، يتضجرون، يموتون في اليوم عشرات المرات، يصرخون بأعلى الصوت: متى تتوقف الاعتداءات في الأرض وفي الجو؟.. متى الخلاص؟
لا شيء أيضا وأيضا، يمنع السلطة أن تعطي أصحاب الحقوق حقوقهم، وأن تردّ إليهم ما سلب منهم عنوة، لا في الأزمنة البعيدة جدا، بل منذ سنة أو سنتين، حين سلبت منهم أموالهم عنوة، حين سرقها اللصوص وأصحاب السوابق، وهم في مراكز القرار.
لا شيء يمنع السلطة، أن تكون سيفا مسلّطا على رؤوس الفاسدين، بحيث يرهبونها، ويعودون عن غيّهم، ويهابونها، ولا يجرؤون على المجاهرة بالفساد والإفساد، ولا على التعدّي، أو الإيغال في التعدّيات، أو على البلطجة على الدولة والمواطنين والإدارات، على قارعة الطريق وفي وضح النهار!
لا شيء يمنع السلطة عن المراقبة والمعاقبة، عندما يحلق ذقن الحرش من الصنوبرات المعمّرة، وحين يغار على الأحراش، في الليالي المقمرات، وحين تنقل الشاحنات الردميات المشعّة والمخلّفات، والنفايات المكدّسة إلى ما وراء العيون، إلى ما وراء البلديات، إلى ما وراء المكبات.
لا شيء يمنع السلطة عن مصادرة الماء المسروق من الينابيع، بالصنابير وبالخزانات المتجولة، جهارا ونهارا، وعلى عينك يا تاجر. فيجني الفجّار والشطّار والزبائن الكبار، الأموال لأسيادهم، عند سدول الليل، وفي الغرف السوداء، وداخل الأقبية المشبوهة للنافذين تحت أجنحة السلطة نفسها. وتسدل الستائر عل جرائم الماء العام، بعد جرائم المال العام.
لا شيء يمنع السلطة عن مصادرة الكهرباء المسروقة على أسلاك كهرباء بيروت وقاديشا والزهراني، وفي جميع القرى والمدن، وحتى في العاصمة نفسها. لا شيء يمنع السلطة، من مصادرة التيارات المسروقة والسيارات المسروقة. لا شيء يمنع السلطة من تأمين المياه في الشبكات، وتحرك سلطة البلديات ووقف الاعتداءات، على حق المواطنين بالماء، بهذه الحجة التافهة أو تلك وسوق التبريرات المضللة لجني الأرباح.
السلطة إن أرادت، تأتي للمواطنين بلبن العصفور. فلا تجعلهم يتشهون الرغيف الساخن ولا الدقيق المغشوش، ولا ملح الطعام الفاسد، ولا مخازن المساعدات والإعانات، والتي تفسد قبل أن توزع على العائلات المنكوبة بالحروب.
السلطة إن رغبت، مثل الأم الحنون، لا تميّز بين أبنائها، ولا تحرم أحدا وتطعم أحدا. توزع عدالتها على الجميع بلا إستثناء. فليس لديها، ناس بسمنة وناس بزيت، فجميع المواطنين متساوون في الحقوق وفي الواجبات، وأمام القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
السلطة إن أرادت، تصير مثل الأب الصارم و الحنون، لا يميّز بين أبنائه، ولا يفرّق الأخ عن أخيه، ولا يمنح للأول خدّه، ولا للآخر أذنه الطرشاء، بل الجميع عنده سواسية كأسنان المشط، يشتدّ عليهم بالقسوة، حين يضلّون الطريق، ويمنحهم ثقته حين يكونون في طريق الصلاح.
السلطة إن أرادت، أعادت جميع الإدارات إلى الإنتظام، فلا تتسبب بالزحمة على الأبواب، ولا في الشوارع، ولا أمام شبابيك المعاملات. ولا تضيّع بين يديها الأوراق الثبوتية، فيعود المواطنون كرّة أخرى، لطلبها من الأيدي السوداء.
السلطة إن رغبت، لا تجعل المواطن يحتاج أن يأتي إليها، بل يراها تهرع إليه، تسأله عن حاجاته من الخدمات: جواز سفر وأوراق ثبوتية وإفادات عقارية ومدرسية، وطوابع مالية، وإفادات قيد وسجل عدلي وإخراج قيد، ما دامت المكننة جاهزة، وما دام قد صار عندنا وزير للذكاء الإصطناعي، فإلامَ الشكاية إذن بعد اليوم، والشكاية لغير لله مذلّة، ما دامت المكننة، قد صارت في جميع البلدان من الحاجات النافلات؟!
جميع القوى، جميع المواطنين، جميع الأشقاء، جميع الأصدقاء، يرفعون اليوم القبعة للسلطة، أن تأخذ دورها. ونحن نهيب بجميع الأجهزة أن تقوم بدورها، فلا تدع مظلوما إلّا وتأتيه بحقه، ولا صاحب حاجة، إلّا وتأتيه بحاجته. غير أن الشكاية عندنا مستمرة في الداخل وفي الخارج، من أمرين أحلاهما مُرّ: السلاح والفساد. وهما يحتاجان للبتّ فورا، فلا تدع السلطة، عاتبا يعتب عليها، لتنفيذ الاستحقاقات الداهمة.