IMLebanon

نصائح أميركية وروسيّة لاسرائيل بعدم خرق إتفاقية الهدنة

 

نصائح أميركية وروسيّة لاسرائيل بعدم خرق إتفاقية الهدنة

لبنان أبلغ العالم حرصه على سيادته وحقوقه

والتغيير الداخلي الهادئ هو الطريق إلى الإستقرار

كان ذلك في العام ١٩٩٥، وللمرة الأولى كان أيضاً خريف موسكو لطيفاً، وممتعاً في آن، والناس يرودون شوارع العاصمة الحمراء بكثافة، وكأنها لا تصدق أن خريف الساحة الباردة أضحى مثل ربيع بيروت الساحر، بين الدفء حيناً والرقة في الحرارة أحياناً.

نظر كبير مرافقي الرجل الكبير الى ساعته، ثم بادر زملاءه بان موعد سيده مع سيد الكرملين الجديد قد طال، واستمر ساعة ونصف الساعة، والمرتقب أن يكون أقل من نصف ساعة عن الساعة الخامسة والنصف عصراً.

سأله وزير سابق كان في عداد الوفد المرافق لرئيس مجلس الوزراء اللبناني، عما يشعر به دولته، وهو في الحكم، تململ المرافق واحجم عن الجواب، لكن السائل عاد ليطرح سؤاله بشكل آخر: الا تسمع منه وهو يتحدث الى زواره غير الذي نسمعه نحن!

أجاب المرافق بأنه يشعر بأن في البلاد من يعمل على تشويه صورته السياسية، لان ثمة من لا يريد أن يجري دم جديد في السلطة، غير الذي تعارفوا عليه أو تعرفوا عليه عند سواه من السياسيين التقليديين.

عندما غادر الرئيس رفيق الحريري أسوار الكرملين، سمعوه يقول ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبناني بالسليقة وهو روسي خَلْقاً وخلقياً.

سأله الوزير الذي كان في انتظاره: ماذا تعني دولة الرئيس، ان الرئيس بوتين هو روسي خَلْقاً وخلقياً.

ضحك الرئيس وقال ان قربه من أن يكون أشقر شكلاً، من اللون العادي، واخلاقياً، هادئاً، لا نَرْفوزاً. لقد اسمعته كلاماً غير عادي، ولم أسمع منه كلاماً غير عادي. انه محنك، هادئ، وصامت.

وأضاف: عندما كان يودعني على أبواب الكرملين، راح يداعبني بعبارات غير رائجة لبنانياً. فدعاني الى الصبر والى الهدوء، لأنه، اذا ما مضى في سياسة التغيير، فسيقف ضده الجميع، ممن يخافون من التغيير.

وسأله الوزير السابق: وماذا اجبته – دولة الرئيس؟

 

ورد: ضحكت، هل تريدني أن اقول لسيد البلاد الباردة عموماً، إنني لا أستطيع التعايش مع المحنطين سياسياً. ولو كنت من هؤلاء، لما رفعت سلاح التغيير، وتابعت السير، على الطريق نفسه الذي سلكه المحنطون. وفي يوم من الأيام، قال لي الرئيس صائب بك سلام: تابع خطك السياسي، ولا تتردد في طلب نهج جديد في الحكم، لانك محاط داخلياً وخارجياً بالمتاعب.

عندئذ، طرح عليه صديق الوزير السابق الذي اصطحبه من بيروت، عما قال له الرئيس الروسي تعقيباً على كلامه، فعاد الى ابتسامته المعهودة، وهو يردد عبارات لاذعة مفادها ان التغيير يتطلب مواجهة أحياناً، لا يقوى عليها العابرون للأزمات، والمسايرون لأهل السياسة.

وتابع: وعندما سألته عن مسايرته في الروسية، لما كان ينعم به حكام الإتحاد السوفياتي السابقون أحياناً، أجاب بأن التغيير لم يحصل دفعة واحدة، وارباب النظام الشيوعي سلكوا طرقاً مختلفة، وكل حسب قوته وقوة مناصريه داخل الحزب، وما درج عليه كارل ماركس وانجلز ولينين وستالين، غير ما حاول اعتراضه تروتسكي. ومن جاء بعد بنكتا خروتشوف غير ما فعله عملياً بريجنيف، وبقي النظام السوفياتي شيوعياً، الى ان وصلت أنا الى السلطة وانهيت دور الحزب الشيوعي السوفياتي.

هبط الرئيس رفيق الحريري، على درج الكرملين، وطلب الوفد المرافق له، ان يتوجه الى الفندق ويطلب من الجميع موافاته الى مطار العاصمة الروسية.

في طريقه بين الساحة الحمراء والمطار، راح الرئيس الحريري يفكر في مغزى عبارات الرئيس بوتين ودعوته الى التغيير، الذي لا يسلم بسرعة، لكنه قال للوزير المرافق انه عمل بما يقارب دعوة بوتين، عندما تفاهم مع الرئيس نبيه بري ساعة رفض اعطاءه صلاحيات استثنائية للتشريع الذاتي، من دون العودة الى البرلمان، كما حصل مع حكومات سابقة في فترات رتيبة عرفتها البلاد سابقاً قبل الطائف وبعده. وانا لست مستعجلاً في التغيير، وأريده على مهل.

وهذا ما أشار اليه نجله الرئيس سعد الحريري في خطابه يوم الأربعاء الفائت، في الذكرى الثالثة عشرة، لاغتياله في بيروت.

كان بامكان سعد الحريري، أن يعود عن استقالته في الخارج، لكنه آثر العودة الى بيروت، والتفاهم مع الخارج والداخل على التغيير الهادئ. هو باق في السلطة والرئيس بوتين باق في الكرملين، وهو أشار أمام الجماهير المحتشدة في البيال، انه ثابت في الحفاظ على برنامج المعلومات الذي أسسه صديقه وصديق والده وسام الحسن، وانه مصمم على التغيير الهادئ في الإنتخابات بعد ثلاثة أشهر، لمحاسبة هادئة للذين خرجوا عليه، ولم يقبلوا بتفاهمه على مجيء العماد عون الى رئاسة الجمهورية وانه مصمم على تركيبة ثلاثية قوامها رئيس الجمهورية العماد عون، ورئيس المجلس النيابي الرئيس نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء الذي هو شخصياً، من ضمن إتفاق على احترام صلاحيات كل رئاسة، من دون أن يتخطى أحد الآخر، في صلاحيات حددها الدستور اللبناني، أي اتفاق الطائف.

كان العشاء السري في عين التينة بين الرئيس بري وبينه ترجمة غير معلنة لأن تكون لكل رئاسة صلاحياتها، حسب الدستور المعمول به الآن، لا كما كان يحدث في أيام الوصاية.

قبل عشر سنوات كانت الوصاية تخترع الخلافات، ليأتي طرف ثالث لتسوية الأمر في ما بينهم، لكن الوصاية مجمدة الآن، وقد تكون قد رحلت، وأصبحت بحاجة الى لبنان، ليفعل ما كانت تفعله.

ماذا حدث قبل الطائف بالتفصيل، وماذا يحدث الآن، وقد داهمت لبنان والشرق الأوسط، قضايا أكثر أهمية، وأكثر دقة، ولبنان أصبح منذ أسبوع دولة نفطية لا دولة على رصيف الأزمات، تعبر من مشكلة الى مشكلة.

وهذا ما يدركه الرؤساء الثلاثة، وهي ان في البلاد رئيساً للجمهورية، ورئيساً للسلطة الإشتراعية وسلطة للحكومة وان الرؤساء الثلاثة هم ثلاثة لكل منهم حقه، ولكل منهم رأيه، وبالحوار يتم الإتفاق وهذا ما حصل الأسبوع الفائت في موضوع الأقدمية ونال الضباط حقوقهم وسلم النظام من أزمة هددت سلامة الحكم ووحدته.

أما مسألة أحاديث الوزير جبران باسيل بحق رئيس المجلس، فقد تركت للمجلس النيابي، باعتبار ان الرئيس بري هو رئيس كتلة نيابية والوزير جبران باسيل هو رئيس حزب التيار الوطني الحر فيما الرئيس العماد ميشال عون، هو رئيس البلاد كلها، وهو بالتعبير الشعبي بي الكل ورئيس الجميع وهذه هي خلاصة المرحلة الفاصلة بين المجلس النيابي الحالي والمجلس النيابي المقبل.

وهذه الأمور تُعتبر محلولة، بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي الجديد تيلرسون للبنان قبل أيام في إطار جولته في الشرق الأوسط.

كان سعد الحريري في خطابه أمام مئات الألوف من الناس، في البيال رجل حكم قوياً في لهجته، ثابتاً في تطلعاته الراهنة والمستقبلية، مؤكداً لفكرة تحييد لبنان، وللتعاون مع الرئيس نبيه بري، وفاتحاً للطرق أمام التفاهم مع التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية.

وعندما يكون الحكم في لبنان، متكئاً على وجود رئيس جمهورية قوي، وعلى رئيس مجلس نيابي قائم على تفاهم الثنائي الشيعي من حزب الله وحركة أمل، وعلى وحدة في الرؤية والأهداف، بين الأحزاب المسيحية، تصبح اللعبة السياسية، في أمان واستقرار تبرره اللعبة الديمقراطية وتجعل الجميع تحت قبة البرلمان لممارسة الحدود الديمقراطية لكل الأفرقاء ولسائر الأحزاب والكتل السياسية وهذا مؤشر الى الوحدة اللبنانية في اطار التنوع السياسي.

 

ماض صعب

طبعاً، يبقى لبنان زاخراً بالأفكار المنادية بالتطوير والحداثة، بسبب الوجود الاسرائيلي في فلسطين، لأن السلطة الإسرائيلية، كانت تعمل على إجهاض الأفكار الداعية الى التجديد في الأساليب كما ان أحداً لا ينسى أن الرئيس سليمان فرنجيه اتفق مع الرئيس السوري حافظ الأسد، على مواجهة عزم الدولة العبرية على إقامة فتح لاند في الجنوب، لإضعاف السلطة اللبنانية، وعندما طلبت قمة عربية إيفاد رئيس الجمهورية اللبنانية الى الأمم المتحدة ليتكلم الرئيس العربي المسيحي باسم الملوك والأمراء العرب المسلمين باسم المجموعة العربية حرص الرئيس اللبناني يومئذ على تأليف وفد لبناني يضم معظم رؤساء الجمهورية والحكومة، وطلب من النائب ادوار حنين، ان يودع خطابه المكتوب، الرئيس اللبناني السابق شارل حلو، ليعيد كتابته مع الرؤساء صبري حماده وعبدالله اليافي وصائب سلام.

اعتقد الرئيس فرنجيه، ان ياسر عرفات سيعمد بعد ذهابه الى الأمم المتحدة والخطابة في دورة فلسطين سيعيد النظر في تصرفاته اللبنانية غير المقبولة، اكراماً للإرادة الدولية، واحتراماً للبنانيين وزعمائهم ورئيسهم. لكن عرفات ظل يتصرف في بيروت والفاكهاني والجنوب، كأن لبنان كله هو فتح لاند، أي تحت الحكم الفدائي الفلسطيني.

وهكذا وقع العرب في حربين: الأولى كانت حرباً بين النظام السوري برئاسة حافظ الأسد ونظام منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، ومعارضة فلسطينية قوامها الدكتور: جورج حبش، رئيس الجبهة الشعبية، ونايف حواتمة قائد الجبهة الديمقراطية والجبهات الموالية لسوريا.

أما الحرب الثانية فكانت بين المنظمات والسلطة اللبنانية.

وعندما وصل الرئيس فرنجيه الى نيويورك، وتوجه الى القنصلية اللبنانية للإقامة فيها، تأخر وصول حقائب الرؤساء اللبنانيين الى فندق والدورف استوريا الشهير، لان السفير الأميركي في لبنان السيد غودلي، نقل الى السلطات الأميركية، ان عضو الوفد اللبناني صبري حماده يحمل في حقائبه كميات من حشيشة الكيف الى الولايات المتحدة. وعندما عاد الرئيس فرنجيه الى بيروت استدعى السفير الأميركي الى بعبدا وأعطاه إجازة قسرية، بعدما اخفى الأمر في أميركا على الوفد الرئاسي، ورفض دعوة الرئيس الأميركي فورد الى واشنطن.

وبعد ذلك دفع السيد ياسر عرفات ثمن أخطائه وتحالفاته اللبنانية، وابعدوه الى طرابلس لبنان، ومن ثم جرى نقل منظمة التحرير من القاهرة الى تونس، وبعد ذلك عمدت اسرائيل الى اغتيال السيد ياسر عرفات بالسم الذي دُسَّ له بالطعام وتحولت رئاسة منظمة التحرير الى الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس.

ويبدو ان المعركة فتحت الآن، لكنها حرب من نوع جديد، هي معركة نفط وغاز، وهذا ما جعل رئيس الجمهورية العماد عون يتفق مع الرئيس بري والرئيس سعد الحريري على مواجهة اسرائيل، اذا ما شاءت المواجهة، للتأكيد ان حرب لبنان النفطية هي حرب محقة.

وتجلت المواقف اللبنانية الموحدة، مع صفعة اسرائيلية جاءتها من سوريا عندما اسقطت طائرة حربية اسرائيلية على غير انتظار منها.

وفي المعلومات ان السوريين المغلوب على أمرهم بالحوادث الداخلية، استطاعوا تعويض الإنتكاسة النادرة جوياً، والحاق هزيمة بهم لم تحصل منذ ٣٦ عاماً، الامر الذي جعل رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو يعد للعشرة قبل أي تحرك.

بيد ان اسرائيل، شعرت بأنها فقدت زمام المبادرة ضد لبنان، ولذلك فقد رضخت لمساعي التسوية مع لبنان، ووقف عدوانها على المياه اللبنانية، كما صنعه نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي جوزيف سيسكو.

والمهم في الأمر ان تيار المستقبل اطلق على نشاطات احياء الذكرى الثالثة عشرة لاغتيال الرئيس الحريري عنوان حماية لبنان في ضوء استحقاقات مقبلة على البلد، من أي تغيير في الإصطفافات السياسية.

وكان خطاب الحريري في البيال ممهداً جديداً لما اعطاه الرئيس الشهيد رفيق الحريري من انه لا ولن يحيد عن مبادئ والده.

وفي آخر المعلومات ان وزير الخارجية الأميركي غادر بيروت وهو على قناعة بان سياسة بلاده لن تعود الى الوراء، وان المستقبل سيسجل ان لبنان خلق بوحدة السلطة اللبنانية مظلة داخلية، من وجه المزاعم الخارجية عن صلافة العدوان الاسرائيلية.

وترددت في بيروت معلومات تفيد بأن الوزير الأميركي أوعز الى الاسرائيليين بالعودة عن قرارها برفض الهدنة، وأكد ان تجديد الهدنة من صميم السلطة الأساسية لمنظمة الأمم المتحدة.