IMLebanon

الاستثناءات الأميركية من العقوبات النفطية على إيران

 

  

تباينت قراءة كل من طهران وواشنطن لقرار الأخيرة استثناء ثماني دول من حزمة عقوباتها الثانية ضد إيران التي تبتغي الهبوط بصادرات النفط الخام الإيرانية مما يربو على 2.5 مليون برميل يومياً إلى الصفر، بحلول نهاية العام الحالي. وترى واشنطن في ذلك القرار ضماناً لتحقيق معادلتها الصعبة الرامية إلى إنجاح العقوبات عبر جعلها أكثر ذكاءً بحيث تراعي الاعتبارات الإنسانية، وتضييق الخناق على طهران وحملها على تغيير سياساتها. ذلك أنه إذا تسنى لإيران تصريف ملايين الأطنان من النفط المخزن في حاوياته البرية والبحرية، فسيكون من الصعب عليها إدخال عوائد بيعه ضمن حساباتها، من جهة، مع احتفاظ واشنطن بدفء علاقاتها مع حلفائها من خلال الحيلولة دون إضرار تلك العقوبات بمصالحهم جراء ارتفاع أسعار النفط، من جهة أخرى.

 

 

في المقابل، توسمت طهران في تلك الاستثناءات تراجعاً في ما يخص التصعيد ضدها، بما أنها تخص الدول الأكثر استيراداً للنفط الإيراني، ومِن ثم استبعدت أن تصل واشنطن إلى مبتغاها وهو تصفير الصادرات النفطية الإيرانية. فالدول الثماني؛ اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا والإمارات والعراق، تستورد قرابة ثلاثة أرباع صادرات النفط الإيرانية، وبافتراض أنها ستقلص وارداتها تدريجاً ليصل إجماليها في نهاية المطاف إلى 30 في المئة مثلاً، فإن هذه النسبة ستفوق تلك التي كانت إدارة أوباما قد سمحت لإيران ببيعها قبل مجيء ترامب وهى 20 في المئة من طاقتها التصديرية من النفط. كذلك، اعتبرت إيران أن إقدام واشنطن على منح الدول الثماني تلك الإعفاءات إنما يظهر أهمية الخام الإيراني الذي لا يمكن تغييبه عن الأسواق العالمية التي تحتاج 100 مليون برميل منه يومياً. وبينما اتفقت السعودية وروسيا على تعويض حصة إيران التي ستتوقف بموجب العقوبات النفطية الجديدة، تتلمس طهران صعوبة في نجاح تلك المهمة على المدى الطويل. ومن ثم، فإن إيران تراهن على أحادية العقوبات النفطية الأميركية، وغياب الإجماع الدولي أو توافق الدول الكبرى مع واشنطن في شأنها هذه المرة، فضلاً عن تأثر سوق النفط العالمية والاقتصاد الدولي بانقطاع أو تراجع صادرات النفط الإيرانية، ما يجعل هذه العقوبات غير ذات جدوى لواشنطن؛ لأنها ستتمخض عن أزمة اقتصادية عالمية لا تحمد عقباها بقدر ما ستخنق إيران وشعبها قبل أن تقوض نظامها. فبينما أبقت الصين، التي تشتري نحو 800 ألف برميل يومياً من النفط الإيراني، على وارداتها من دون أن تلتزم التقليص لاحقاً؛ تخوفاً من عدم قدرة المنتجين على سد العجز المرتقب، توصلت الهند، التي تعد ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، لاتفاق مع واشنطن يتيح لها مواصلة شراء 1.5 مليون طن شهرياً من النفط الإيراني حتى آذار (مارس) المقبل، على أن تلتزم تخفيض مشترياتها منه لاحقاً بنحو الثلث، وأن يتم التعامل وفق صيغة أشبه بـ «النفط مقابل الغذاء» بحيث تقوم بتسديد قيمة نصف المدفوعات باليورو، والنصف الآخر بالروبية الهندية لتستخدم كقاعدة لاحتساب واردات إيران من الهند والتي ستقتصر على المنتجات الضرورية بما يحول دون استخدام طهران لها في أغراض مشبوهة. بموازاة ذلك، وبينما أعلن الكرملين حزمة إجراءات لحماية الشركات الروسية من تداعيات عقوبات واشنطن على طهران، أصدر الاتحاد الأوروبي، الذي يستورد 20 في المئة من إنتاج النفط الإيراني، بياناً أكد تأييده استمرار الاتفاق النووي مع إيران طالما احترمته طهران، مع تأكيد أهمية حماية الكيانات الأوروبية التي لها تعاملات تجارية مشروعة مع إيران، وإنشاء كيان يتيح لإيران استئناف بيع النفط، يعرف باسم «الشركة ذات الغرض الخاص»، ويسجل في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لإدارة الأموال المدفوعة لشراء النفط وإتاحة عمليات التحويل، كما سيتم تزويده برأسمال وتحديد حوكمته بهدف تسهيل الدفع مقابل الصادرات الإيرانية.

 

بيد أن تفعيل تلك الآلية الأوروبية لن يبدأ قبل أوائل العام المقبل، وسط تخوف الشركات الدولية من التعرض لعقوبات أميركية حال تعاملها من خلالها، بالتزامن مع تلبد أفق العلاقات الإيرانية الأوروبية على خلفية سعي الدنمارك والدول الاسكندنافية لحث الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات موحدة ضد طهران بجريرة تورطها في محاولة تصفية ثلاثة معارضين إيرانيين. وبينما يعتقد إيرانيون أن واشنطن غير مستعدة لرفع سقف عقوباتها ضد بلادهم، خصوصاً بعدما خفّف جون بولتون من حدة لهجته التصعيدية حيالها عندما أكد أن بلاده لا تريد المس بدول صديقة، ولا تستطيع الذهاب حتى النهاية في العقوبات عبر المنع المطلق لاستيراد النفط الإيراني، اقترح وزير المال الأميركي ستيفن ملوتشن، المعروف برغبته في تشديد العقوبات على إيران، عدم فصل الأخيرة عن نظام «السويفت» العالمي، حتى يتسنى لها شراء الأدوية والسلع الأساسية. وفي هذا الصدد، تعتقد طهران أن الصعوبات التي قد تكتنف مساعي تصفير صادراتها النفطية قد تجبر الإدارة الأميركية على السعي لإقناع إيران بالدخول في مفاوضات حول اتفاق نووي جديد. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد استعداده للقاء القادة الإيرانيين بغية التفاوض في شأن اتفاق شامل وأكثر تكاملاً على أساس تلبية 12 شرطاً، أبرزها فرض قيود أكثر تشدّداً على القدرات النووية الإيرانية ممّا هو وارد في اتفاق العام 2015، وعلى «النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار» في عدد مِن دول الشرق الأوسط. ويرى الأوروبيون أن ترامب يتّبع مع إيران الاستراتيجية نفسها التي ينتهجها مع كوريا الشمالية، والرامية إلى تغليظ العقوبات توخياً لحمل الدولتين على القبول بالمفاوضات.

 

من جانبه، وعلى رغم ما يظهره من تشدد إزاء عروض إدارة ترامب للحوار، من غير المستبعد أن يقبل الولي الفقيه بعقد قمة إيرانية- أميركية للتباحث في شأن صيغة بديلة للاتفاق النووي، خصوصاً مع تواتر الأنباء حول وساطة عُمانية في هذا الصدد. بيد أن جناحاً داخل منظومة الحكم في إيران ما برح يراهن على نتائج الانتخابات النصفية الأميركية، آملاً في أن تسفر عن تراجع الجمهوريين على نحو يمهد لرحيل ترامب ومجيء رئيس أميركي جديد يتبنى مقاربة غير تصعيدية في التعاطي مع إيران، مثلما جرى من قبل خلال أزمة الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية في طهران عام 1981، حينما أطاحت انتخابات الرئاسة الأميركية بكارتر المتشدد وجاءت بريغان الذي اعتمد استراتيجية أكثر مرونة حيال إيران، تمخضت بدورها عن تسوية الأزمة سلمياً وبأقل خسائر ممكنة للطرفين.