IMLebanon

السياسة الأميركية في سورية والانحدار إلى بحث عن حصة

 

انتظر السوريون وبعض الأميركيين طويلاً حتى تتوضح السياسة الأميركية في سورية. عام كامل مرّ والإدارة الجديدة تتصرف حيال سورية في شكل ملتبس وغامض ومتناقض.

يتصارع في واشنطن حيال المسألة السورية تياران: الأول يمثل سياسة الرئيس السابق أوباما وينفذها أشخاص أبقاهم الرئيس ترامب لسبب غير واضح في إدارته، بينهم السفير مايكل راتني وممثل الرئيس الأميركي للتحالف الدولي لمكافحة داعش بريت ماكغورك، ومساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد. التيار الثاني غير متجانس ولا واضح الهوية ويمثله بعض الموظفين في الخارجية الأميركية والبيت الأبيض، وقد يكون الأبرز بينهم مستشار الرئيس للأمن القومي هربرت مكماستر. التيار الأول حريص على بقاء الأسد، همّه الأساس محاربة داعش وإرضاء الروس وإيجاد معارضة سورية لطيفة ومن دون أسنان تقبل بحل، ليس في منتصف الطريق، بل في ربعه أو خمسه أو عُشْرِهِ. الفريق الثاني يرى في الأسد سفّاحاً لا يمكن التعايش معه، ولا يمكن تصور مستقبلي لسورية بوجوده، ولكن هذا الفريق يفتقد السياسة والخطة لتحقيق ذلك. الأربعاء الماضي، وضع وزير الخارجية تيلرسون بعض النقاط فوق بعض الحروف في مجال سياسة أميركا السورية. والخلاصة انحسار الدور الأميركي من دور قيادي رائد إلى دور الطامح في حصة من الكعكة السورية. باختصار، تتكثف السياسة الأميركية حيال سورية في خمس نقاط:

– حليف أميركا الرئيسي هم الأكراد (في استنساخ لتجربة العراق عندما استنسبوا من بين كل مكونات الأمة العراقية الشيعة فقط)،

– بعد هزيمة داعش ستركز الولايات المتحدة على إيران،

– لن تخرج القوات الأميركية من شمال شرقي سورية،

– لن تسمح الولايات المتحدة بالمساعدات الدولية لإعادة البناء في أي منطقة تحت سيطرة نظام الأسد،

– والانتخابات الحرة والشفافة، بما في ذلك مشاركة المغتربين السوريين وجميع الذين أجبروا على الفرار من النزاع، بما يؤدي إلى رحيل الأسد وأسرته عن السلطة.

ولا بأس ببعض الرتوشات هنا وهناك، فبعد الاعتراف بـ «التضحيات الكبيرة التي قدمتها قوات سورية الديموقراطية في تحرير السوريين من داعش»، لا بأس من المطالبة بدور ما «لجميع المجموعات والإثنيات التي تدعم التحول السياسي الأوسع في سورية». ولا بأس بتوجيه كلمتين أو ثلاث للبلد الحليف والعضو في حلف الناتو، تركيا.

ولا بأس أيضاً في التنويه بمناطق خفض التصعيد لا في الجنوب السوري أو المرور مروراً عابراً على ما يجري في الغوطة وإدلب، من دون التأكيد على دور المعارضة السورية في المفاوضات السياسية.

لم يذكر تيلرسون كيف يمكن لسبعة ملايين لاجئ مشتتين في أربع أنحاء المعمورة أن يدلوا برأيهم، ولم يلمح إلى كيف ستمكن مواجهة حزب البعث والأجهزة الأمنية والميليشيات الطائفية وبقايا جيش الأسد أثناء المرحلة الانتقالية. لم يدْلِ برأي في شكل العملية الانتقالية ولا في مضمونها وحدودها.

والرجل يريد إخراج إيران من سورية. ثمّة في واشنطن نشاط كبير في موضوع «قصقصة» الدور الإيراني في المنطقة، وتجد هذه النقطة تأييداً واسعاً في أوساط الكونغرس والصحافة والكثير من مجموعات الضغط الأميركية. ويبدو أن التيار الجديد في الإدارة يشتري أيضاً هذه القضية ويدعمها، بيد أن المشكلة أن الجميع يفتقد الخطة والوسيلة.

فكيف سنُخرج إيران من سورية، إذن؟ يرى تيلرسون أن «تقليص النفوذ الإيراني الخبيث» في سورية يعتمد على سورية ديموقراطية. فلسنوات عدة، كانت سورية تحت حكم بشار الأسد دولة مرتهنة لإيران. ولكن حكومة جديدة «لا تخضع لسيطرة الأسد ستكون لها شرعية جديدة لتأكيد سلطتها على البلاد»، بالتالي فإن ذلك، إلى جانب جهود تخفيف التصعيد وتدفقات جديدة من المساعدات الدولية، سوف «تخفض العنف وتهيئ ظروفاً أفضل للاستقرار وتسرّع رحيل المقاتلين الأجانب».

وتبقى كلمة السر هي روسيا. فلا شيء يمكن أن يحدث من دون أن «تقنع» روسيا الأسد لينخرط في شكل بنّاء في عملية جنيف»، ومن ثم، ربما، إقناعه بالرحيل طوعاً؟ وإحدى الطرق التي يمكن لروسيا أن تفعلها هي «ممارسة نفوذها الفريد على النظام السوري، الذي وافق هو نفسه على المشاركة في عملية جنيف». ويجب على روسيا أن تزيد من ضغطها على النظام «ليشارك في شكل موثوق في جهود الأمم المتحدة وتنفيذ النتائج المتفق عليها».

إذا افترضنا حسن النية، فإن الرؤية الأميركية تعاني من سذاجة وطيبة زائدة، وهي سذاجة ليست غريبة كلية عن السياسة الأميركية، على أية حال. أما إذا افترضنا سوء الطوية، فمجمل الحكاية أن الإدارة الأميركية انحدرت إلى مستوى الحصول على حصة من الكعكة. وهذا السلوك سيساهم فقط في إطالة عمر الأزمة، مع تغير في موازين القوى، فسورية سوف تكون بعد الآن مقسمة بين ثلاثة أقطاب: الروس والإيرانيين في معظم الأراضي السورية، الأميركان والأكراد في شمال شرقي سورية، وتركيا في شمال غربها. أما شكل الصراع المقبل فقد يتغير من صراع ضدّ النظام إلى صراع دموي بين العرب والكرد في الجزيرة والفرات.

لقد كان بإمكان الولايات قبل شهور أن توقف المدّ الإيراني من الاقتراب من نهر الفرات واحتلال مواقع متقدمة على الحدود السورية- العراقية، من خلال تفعيل خطة المعارضة السورية– قبل اجتماع الرياض 2. ولم يكن إيقاف تقدّم قوات النظام السوري وميليشياته الإيرانية مستحيلاً وقتها. ولو أنها اتخذت هذا المنحى، لوفرت على نفسها وعلى السوريين الكثير من الألم والمشقّة. بيد أنّ واشنطن آثرت استبعاد المعارضة من خطتها لتحرير الرقة ودير الزور وأصرّت على التحالف مع طرف سوري وحيد هو قوات سورية الديموقراطية التي يسيطر عليها أكراد سورية القريبون من حزب العمال الكردستاني.