IMLebanon

زيارة إيرولت: نفط وأمن وتسليح

يعتقد اللبنانيون أن كل موفد فرنسي إلى لبنان لا بدّ أن يحمل معه اقتراحات لحل الملف الرئاسي. هذه المرة لا تسعى باريس إلى تسوية رئاسية، بل إلى مجرّد «مرقد عنزة» في النفط والأمن والتسليح

لم يُبلور وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، أسباب زيارته لبنان في طرح محدّد ومتكامل. منذ إعلان موعدها، ترسّخ اقتناع بأن الرجل سيدشّن زيارته بالحديث عن حلّ رئاسي يُحكى عن اختماره، على قاعدة أن التقاليد الفرنسية غالباً ما تعطي الأولوية لموقع رئاسة الجمهورية.

لكن الواضح، بحسب المُطلعين على أجواء الزيارة التي أتت بعد زيارة الرئيس فرانسوا هولاند «غير الفاعلة» منتصف نيسان الفائت، أن الغاية الوحيدة منها هي رغبة الفرنسيين في لعب دور أساسي في لبنان، عبر الانخراط في ملفات عصيّة، تختصرها مصادر سياسية بارزة بنقاط ثلاث لا مكان للرئاسة فيها: الأولى ملف النفط، الثانية ملف التعاون الاستخباري، والثالثة سلاح الجيش اللبناني بعد توقيف الهبة السعودية.

لم يحِد إيرولت، ولو سنتيمتراً واحداً، عن أصول الديبلوماسية المتعارف عليها. في السياسة، ظهرت فرنسا وكأنها تسير على «الصراط المستقيم»، فلا تتبنى طرفاً ضد آخر. حرص وزير خارجيتها على أن يتضمّن جدول أعماله لقاءات مع مختلف الأطراف، حتّى لو اضطره ذلك إلى أن يزور لبنان من شماله إلى جنوبه خلال يومي الزيارة. أما إعلامياً، فقد عرف الرجل كيف يغذّي الفرضيات التي أحاطت بزيارته كي يطمس الغاية الحقيقية منها، فيبقى الهدف المعلن هو حثّ الأفرقاء اللبنانيين على توفير مناخات للتوافق الداخلي في موضوع الرئاسة.

لكن مصادر مقربة من الدبلوماسية الفرنسية أشارت إلى أن «إيرولت تحدّث في كل شيء ما عدا الرئاسة»، مشيرة إلى أن أساس الزيارة مرتبط بـ «إنعاش الملف النفطي الذي فتح شهية فرنسا على ما يمكن أن يبقي لها موطئ قدم نفطي في منطقة الشرق الأوسط». فما إن «لمست باريس توافقاً لبنانياً في هذا الملف حتى أعادت إحياء دبلوماسيتها»، بحسب المصادر التي نقلت «ارتياباً فرنسياً من التعاون الروسي – الأميركي في سوريا الذي لن يُبقي لها مكاناً، على اعتبار أن من يزرع في سوريا سيحصد في لبنان». وبما أن فرنسا «تفتقد اليوم في السياسة حليفاً قوياً، فهي تبحث عن مداخل أخرى لتفعيل دورها، وقررت أن يكون النفط أحدها». وكشفت المصادر أن «حديث الرجل تركّز على تلزيم شركة توتال الفرنسية واحداً من البلوكات النفطية العشرة»، مشيرة إلى أن «فرنسا تضع نصب أعينها البلوك الرابع في البترون، والبلوكين الثامن والتاسع في الجنوب»، داعمة مطلبها هذا «بقدرتها على لعب دور الوسيط في هذه المنطقة المتنازع عليها مع اسرائيل».

أما في ما يتعلّق بالتعاون الاستخباراتي، فقد لفتت المصادر إلى أن «أكثر ما يثير ريبة باريس هذه الأيام، هو عودة الفرنسيين الذين شاركوا في الحرب على الأراضي السورية في صفوف التنظيمات الإرهابية». ومن وجهة النظر الفرنسية، لا بد أن يدفع «التعاون الروسي ــ الأميركي هؤلاء إلى الخروج من سوريا والعودة إلى حيث أتوا». وبما أنه «لم يعد هناك معبر آخر غير لبنان، فإن أحد المطالب الفرنسية التي نقلها إيرولت إلى المسؤولين اللبنانيين، إعداد تقارير بأسماء المسافرين من لبنان، والحصول على قاعدة البيانات التي ستظهرها الخطة الأمنية الجديدة في مطار بيروت»، إضافة إلى تعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية الفرنسية واللبنانية.

يبقى موضوع السلاح الفرنسي الذي خسرت باريس صفقته مع لبنان نتيجة القرار السعودي بتوقيف الهبة إلى الجيش اللبناني. وفي هذا الإطار تنقل المصادر «استياءً فرنسياً من الحديث الذي خرج على لسان أكثر من مسؤول، ومنهم السفير اللبناني في روسيا، وعبّروا فيه عن اهتمام لبنان باستيراد السلاح الروسي». ففي ظل عدم توافر الأموال السعودية لشراء السلاح الفرنسي «تحرص فرنسا، كما قال وزير خارجيتها، على الاستفادة من هذا الملف، أقله من باب الطائرات الفرنسية التي سبق أن اشتراها لبنان من فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي، ليكون لها جزء من الميزانية التي يخصصها لبنان لصيانة معداته القديمة».