IMLebanon

وليد جنبلاط وحزب الله: ما الذي يمكن أحدهما أن يقدّمه للآخر؟

 

 

لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع حزب الله لا يزال يأخذ أبعاداً مستقبلية، في ما يمكن أن يسلكه بعد اليوم من خيارات. لكنّ السؤال يبقى: ماذا يمكن لجنبلاط أن يقدمه للحزب كما العكس تماماً؟

 

لا يزال لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحزب الله موضع متابعة سياسية في ضوء ما سبقه وما يمكن أن يحققه من نتائج. ثمة معلومات وقراءات حول ما جرى وما قد يجري بين الطرفين من الآن وصاعداً، بما يتعدّى الحوار الذي دار بينهما وسُرّب قصداً.

 

لا شك في أن حزب الله تعمّد، وهذه من المرات النادرة، أن يكون اللقاء إعلامياً إلى هذا الحد. بين نقل وتصوير تلفزيوني وتصريحات مباشرة، وبين وقائع ما جرى، كان ثمة إصرار على تظهير مستوى اللقاء بشخصياته ومغزاه. لم تكن المرة الأولى التي يُحكى فيها عن لقاء مماثل بين الطرفين بعد طول قطيعة. لكن بدا أن الحزب ينتظر من جنبلاط أكثر بكثير من مواقف سبق أن اعتمدها في إطار سياسته المعتادة بالانتقال من مكان إلى آخر، تارة بحجة تدوير الزوايا وتارة بذريعة حماية مصلحة الجبل والدروز والمكوّنات اللبنانية كافة. كان جنبلاط قد اتهم الحزب بالتضييق عليه في مرحلة ما قبل الانتخابات النيابية وحصاره. وجاءت الانتخابات لتؤكد له أن ثمة خسائر في بيئته وفي البيئة المحيطة به، من المفترض الانتباه إليها. باشر جنبلاط بإرسال رسائل تهدئة، وبخطاب يعيد فيه بإطلالات مباشرة تموضعه تدريجاً، لكنّ الحزب ظل يحتاج منه إلى ما هو أكثر. فجاء موقفه الأكثر وضوحاً، بعد موقفه من قضية المطران موسى الحاج، من موضوع حياد لبنان واعتباره هرطقة سياسية. وهذا الموقف ليس تفصيلاً لأنه يصوّب مباشرة ومن دون أي لبس على بكركي طارحة فكرة الحياد ومن تتبناها، وهي الفكرة التي يرفضها كلياً حزب الله. ذهب جنبلاط بعيداً في تقديم أوراق اعتماده هذه المرة، فكان له لقاء على مستوى ما حصل بالصورة والصوت. لكنه، أكثر من ذلك، لم يحصل على شيء يُذكر. فماذا يمكن أن يقدم جنبلاط لحزب الله، في هذه المرحلة، وماذا يمكن أن يقدم الحزب لجنبلاط؟

a

 

لا يريد الحزب بالمطلق أن يعادي كل القوى السياسية بالمعنى المباشر من سُنة ومسيحيين ودروز. لكن لا تزال للحزب خياراته التي أعطته حتى الآن نتائج إيجابية، ومن هذه الخيارات ورقة التفاهم مع الطرف المسيحي الذي كان حينها لا يزال يحتل المرتبة الأولى في تمثيل المسيحيين. على مدى سنوات أثبتت ورقة التفاهم، مع كل المطبّات التي مرت فيها، بالنسبة إليه أنها لا تزال بين التفاهمات الأكثر ثباتاً بينه وبين القوى الأخرى. من هنا ماذا يملك جنبلاط ليعطيه للحزب في المرحلة الراهنة، وفي وضعيته السياسية الحالية، بما يجعل الحزب يبادله بالمثل، وماذا يمكن أن يقدم أكثر مما قدّمه الرئيس سعد الحريري لحزب الله؟

على مدى تجربته الأخيرة زعيماً سنياً ورئيساً للحكومة، لم يوفر الحريري جهداً لملاقاة حزب الله في أكثر من نصف الطريق، قبل قرار المحكمة الدولية وبعدها. لم يكن وحده التوتر السني – الشيعي ما دفع الحريري إلى منطقة عازلة مع الحزب جعلته يدفع الثمن عربياً إلى الحد الأقصى. ومع ذلك لم يقف الحزب معه حتى في التفاصيل الكبيرة والصغيرة كخلافه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. ورغم تمسك الحزب بالحريري رئيساً للحكومة، إلا أنه ضحّى به كذلك على مذبح علاقته بالقوة المسيحية وبرئيس الجمهورية. وهذا مثال يضعه سياسيون أمام جنبلاط، في خيار «معمودية النار» الجديدة مع الحزب. لم يستطع الحريري رغم ما أعطاه من جيبه السياسي الخاص وشعبيته وعلاقته بحلفائه أن يضمن أكثر مما حصل عليه من خسائر نتيجة تمسك الحزب بخياراته على حسابه، فدفع الثمن خروجه من الحياة السياسية.

 

 

رغم تمسك الحزب بالحريري رئيساً للحكومة إلا أنه ضحّى به على مذبح علاقته برئيس الجمهورية

 

 

يعرف الحزب أن جنبلاط اليوم غيره بالأمس، وقد لا يطلب منه الكثير غير «تحييده» في الوقت الراهن وعزله عن البقية السياسية في انتظار بلورة الخيارات الأكثر أهمية. والحزب يعرف أن جنبلاط يريد في موقعه الحالي أن يستمر في لعبة المشي بين النقاط، فيرسل رسائل تطمينية في الوقت ذاته إلى حلفاء الأمس كما في زيارة نجله تيمور للديمان. لكنّ المشكلة أنه في محاولته تقطيع الوقت كي يخرج بقراءة جدية لوضعه الخاص ووضع طائفته والوضع اللبناني، يراكم بعض الخسائر الجديدة. ولا يجد حوله من يدافع عنه كما في الأوقات الحرجة الماضية. لا السُّنّة يقفون معه بالمطلق، ولا المسيحيون الذين يخاصمهم يوماً ويهادنهم يوماً آخر، ولا الرئيس نبيه بري أوحى في الأشهر الأخيرة بأن إحاطته بجنبلاط لا تزال كاملة من دون شروط، بل لها حدودها وظروفها، وكلاهما تعب من كثرة المعارك وتشعّباتها. يبقى أن جنبلاط يعرف أن قواعده التي كانت ولا تزال معه في الحرب والسلم لا تنظر بعين الرضى إلى خياراته الأخيرة، وما كان يمسك به تحت وطأة الاستهدافات المتكررة، أثبتت الانتخابات النيابية أنها لا يمكن أن تبقى ممسوكة من دون أثمان. وحتى الآن يبدو أن الحزب خرج وحده رابحاً، في انتظار أن يحدد أكثر اتجاهاته في الملف الرئاسي.