IMLebanon

الحرب على الساحة الرمزية

 

أثناء الغزو الأميركي للعراق في 2003، عرض التلفزيون العراقي مقابلة مع مواطن قال إنه أسقط مروحية أباتشي برصاص بندقيته التي تعود الى حقبة الحرب العالمية الأولى. وبالفعل، كانت المروحية تجثم خلف المواطن والمذيع الذي أنهى اللقاء برقصة قرب الأباتشي ملوحاً بالبندقية القديمة.

وغداة الهجوم الصاروخي الأميركي – البريطاني – الفرنسي على مواقع النظام السوري، استقبل بشار الأسد وفداً روسياً وأكد له ان الصواريخ السورية سوفياتية الصنع التي ترجع الى سبعينات القرن الماضي، قد اسقطت كل الصواريخ الغربية وأن ذلك يثبت «من هو المتخلف». أعقب ذلك، ظهور واحد من المؤيدين اللبنانيين معلناً ان الجيش السوري أهدى الجانب الروسي صاروخ «توماهوك» سليماً بعدما نجح جندي سوري في إسقاطه برصاصة من بندقيته اصابت المحرك ويضيف ساخراً ان الروس بدأوا «يدرسون ذكاء هذا الصاروخ».

ليس مهماً في هذا المقام الجانب السوريالي أو الكوميدي من الأقوال السابقة الذكر، فالعداء للواقع وللحقيقة ركن ركين من الحرب الإعلامية والإيديولوجية التي تخوضها أنظمة من مثل نظامَي صدام حسين وبشار الأسد. وسيان إذا كانت الأباتشي قد سقطت ببندقية قديمة او كانت صواريخ السبعينات أفشلت الهجوم الغربي. المهم أن إفشال مخططات العدو عنصر ثابت في خطاب أنظمة الاستبداد والشمولية. فمن غير المعقول ان ينجح العدو في تحقيق ولو إنجاز واحد بسيط ما دام القائد لم يعلن بعد هزيمته. وهكذا كان محمد سعيد الصحاف يعلن الانتصار على اميركا على شاشات التلفزة فيما الدبابة الأميركية تبدو واضحة وراءه.

وفيما لا يبدي «المعتدون» اهتماماً كبيراً بروايات إفشال القصف بأسلحة صدئة، مكتفين بالقول إن ذخيرتهم أصابت أهدافها المحددة، تكتسب رواية ما بعد الحدث أهمية شديدة بالنسبة الى «المنتصر» على العدوان. فهذه الرواية تعلن احتفاظه بسرديته: انه الطرف المحق والمظلوم الذي يواجه وحوش العالم الغربي الرامية الى نشر الإرهاب في ربوع الوطن. في حساب الربح والخسارة، قد لا يكون الهجوم الغربي ترك أثراً يذكر في آلة حرب النظام، لكن من المفروض كذلك الحيلولة دون اكتساب العدو قدرة على تشكيل تهديد معنوي أو رمزي لبشار الأسد وقواته.

الحرب على الساحة الرمزية تظهر هنا في التمسك بفشل الهجوم الغربي، ليس على المستوى السياسي والإستراتيجي فحسب، بل أيضاً على المستوى التقني– العسكري من خلال التغني بتفوق صواريخ يزيد عمرها عن الأربعين عاماً على نتاج أحدث التكنولوجيات الحربية الغربية. وبداهة ان التقييم الموضوعي لفاعلية الأسلحة او لنجاح الضربة غير مهم في هذا المقام. المهم هو إقناع الذات والجمهور المستعد للاقتناع بأن ما من شيء بقادر على زعزعة سياساته وتحالفاته وقبل ذلك، إنكاره لاستخدام السلاح الكيماوي ضد مواطنيه.

بذلك ترتسم أمامنا صورة نظام وطني يقاوم العداون الأجنبي الغاشم بما تيسّر من أسلحة متهالكة، مكافئاً تفوّق العدو التكنولوجي بصواب القضية وصلابة الإرادة. والصورة هذه يجب أن يراها أهل هذه المنطقة وأن يسلموا بأن الحال التي يعيشون فيها شأن قدري لا تغيّره بارجات وصواريخ ذكية أو غبية. وأن السيد الرئيس بحكمته وبصيرته النفاذتين قادر على قيادة هذه الأمة إلى أبد الآبدين، من نصر إلى نصر. انتصارات لا يبدّل في طبيعتها أنها محض دمار لشعوب هذه المنطقة المعتادة على الزعيم المنتصر وسط رماد بلاده.