IMLebanon

“إنذار” بيروت تمدَّد إلى مناطق الحزب البلدية ذريعة ضغط للنيابية إنما في موعدها

العناوين الكبيرة التي شغلت الرأي العام ما قبل الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت والبقاع وما بعد نتائجها والقفز الى استنتاج ان مجرد اجراء الانتخابات يسقط ذريعة استمرار التمديد لمجلس النواب، اسقطت على الطريق تفاصيل في غاية الاهمية. فبداية، ان سقوط ذريعة حتمية الذهاب الى الانتخابات النيابية قد يكون موجها في شكل اساسي ليس للضغط نحو امكان اجراء هذه الانتخابات في المدى المنظور، بل في موعدها في السنة المقبلة، بحيث يفترض ان يكون متعذرا التمديد من جديد للمجلس، خصوصا ان مدة سنة ليست مناسبة من اجل تقصير الولاية الممددة والذهاب الى انتخابات جديدة. علما ان قرار التمديد للمجلس كان قرارا سياسيا نتج من التقاء مصالح أفرقاء سياسيين بوجوب التمديد وليس عجز السلطة، بعدما مرّ البلد بقطوعات امنية جدية. وثمة من يقول انه يتعين ان يقبل “حزب الله” باجراء انتخابات نيابية كان له مصلحة كبرى في ارجائها.

فالانتخابات التي تحدث الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله قبيل موعدها بيومين عن اضطرار الحزب الى التدخل منعا للخلافات بين العائلات، كانت جزءا ليس تبريريا فحسب في رأي مصادر معنية، بل ان هذا يعبر عن الواقع، شأنه شأن مناطق كثيرة عجزت الاحزاب امامها لكنها وقعت في ما هو اسوأ. فالمعارك البلدية عكست سواد الصورة ولو ان الصورة هي لتغليب الديموقراطية وتجديد السياسة من تحت واحترام مواعيد الانتخابات واظهار قدرة السلطة بادارتها السياسية والامنية على اجرائها. اذ ان المنافسة الحادة، وان ابرزت دور الاحزاب وسطوتها، وشكلت امتحانا لها في نهاية الامر، فإن ثمة انكشافا حادا لغياب البرامج او الافكار او المبادئ، خصوصا ان امام البلديات مهمات حساسة ليس اقلها مسؤولياتها في ادارة النازحين السوريين. ولذلك لم يكن سهلا دخول “حزب الله” بكل قوته من أجل معارك بلدية في قرى أو بلدات واجه فيها تحديات حقيقية، خصوصا في بعلبك حيث ينبغي قراءة التحدي الذي واجه لائحة الحزب على نحو جدي لمعرفة ما اذا كانت معارضته مبنية على اسس تتصل بعدم الاقتناع بمقاربته او ادارته، او ابعد من ذلك على نحو ما تجري مقاربة او قراءة انتخابات بيروت وقياس حال بروز لائحة ثانية غير اللائحة التي دعمها الرئيس سعد الحريري، على أنها لائحة تمرد على الطبقة السياسية. وكذلك الامر بالنسبة الى قراءة انتخابات بلدة عرسال والتي مثلت من حيث إجراؤها في البلدة تحديا لمنطق يعتمده الحزب ازاء البلدة ويطمح الى عزلها او الحجر عليها نتيجة اعتبارات تتصل بذرائع ايوائها نازحين او معارضين سوريين او من التكفيريين. وهذا أمر يجب التوقف عنده على رغم الانتصار الذي اعلنه “حزب الله” في مناطق سيطرته، استنادا الى أن للارقام لغتها التي قد تعني اعتراضا سياسيا كبيرا، خصوصا مع انخراط الحزب في معارك سوريا وسقوط الكثير من أبناء الطائفة هناك، او انمائيا او سوى ذلك ايضا، وخصوصا أن اللائحة الخصم للائحة التحالف الشيعي في المدينة هي لائحة العائلات وليس الاحزاب. ولكن لأسباب مختلفة، يتم التركيز على بيروت وحدها وتجاهل الارقام في البقاع، باستثناء زحلة التي لها تساؤلاتها ايضا. فهل كانت فعلا نموذجا لنجاح التحالف “القواتي”- العوني، علما انه ضم حزب الكتائب ايضا؟ وهل الاخير ساهم في ترجيح كفة اللائحة الائتلافية بين القوى الثلاثة نتيجة الفارق غير الكبير بين لائحتهم واللائحة المدعومة من ميريام سكاف، على رغم أن الانتصار كان للاحزاب الثلاثة وليس للحلف “القواتي”- العوني فحسب.

في المقابل، يحتاج الرئيس الحريري الذي اضطر الى القبول بما “فرضه” الآخرون، خصوصا من الجهة المسيحية عليه، الى مراجعة حساباته وقراءة “الانذار” الذي شكلته انتخابات بيروت وموقع القوى المسيحية ازاءها على صعيدين على الاقل. فثمة علامات استفهام إذا كانت هذه القوى قد تلكأت حتى اللحظة الاخيرة في التحرك من أجل تحفيز الناس لانتخاب اللائحة الائتلافية في بيروت او حتى في الاطلالة من اجل هذا التحفيز، ما لم تكن هذه القوى اعتبرت انها ضامنة لحصصها وترغب في تجربة او امتحان قدرة الحريري التجييرية، بعيدا من جملة عوامل التصقت في السابق بموقع الحريري؟ وهل تركت المجال امام قواعدها لهامش الانتخاب لمن يرغبون او انها تمردت عليها ولم تلتزم ارادة مرجعياتها؟ وهذه نقطة تستحق الوقوف عندها لجهة ما هو ابعد من التكتيك على هذا الصعيد، اي ربح هذا الفريق او ذاك من التحالف المسيحي، هو ما يمكن ان يربحه المسيحيون. وهل اعضاء المجلس البلدي سيكونون مرتاحين لفوزهم باصوات السنة من دون اصوات الناخبين المسيحيين ومن دون دعمهم؟ ففي هذا الجانب ثمة مقاومة من الحريري مماثلة لمقاومة والده الشهيد رفيق الحريري لجهة الرغبة في تحجيمه من ضمن طائفته، من دون اي امتدادات له خارجها الى البعد الوطني. وهو ما يرفضه الحريري كما رفضه والده، وقد بات التحالف بينه وبين القوى المسيحية في ما تبقى من 14 آذار موضع بحث يجب أن يكون جديا. أما الصعيد الآخر فيتصل بحتمية إجراء مصارحة سياسية بينه وبين النائب وليد جنبلاط، ولا بد من ايجاد صيغة تفاهم بينهما عميقة أبعد من المداولات التي جرت أخيرا حتى الآن. ومن الواضح أن المؤشرات السياسية تعبر عن وجود مشكلات سياسية لا تتم مقاربتها كما يلزم.