IMLebanon

مسؤوليّة الإنهيار يقع في جانبه الأساسي على واشنطن وحلفائها في لبنان

 

اسقطت في الساعات والايام الماضية مزيد من الكيليشيهات السياسية غير البريئة، ومن ثم تحولت الى ما يشبه حملة منظمة جمعت قوى وشخصيات سياسية متنوعة، ومنابر اعلامية تدعي الموضوعية، كلها اجتمعت بسحر ساحر على التسويق لتخوين لبنان سلطة وحكومة ومواطنين من محاذير عدم الخضوع لمشيئة الاميركي، وما تحمله مخططاته الشيطانية ليس ضد القوى المختلفة التي تواجه الهيمنة التي يسعى البيت الابيض فرضها على لبنان كما على دول المشرق العربي، بل حتى على حلفاء واشنطن انفسهم، ولو تخيل لهؤلاء ان الارتهان للاميركي نتائجه «المنّ والسلوى» وليس التجويع ووضع لبنان تحت المظلة الاسرائيلية.

 

وكما ان هذه الاسقاطات القديمة الجديدة عادت لنغمة الدعوة لنزع سلاح المقاومة برغم ان ذلك سيتيح اغراق لبنان بسفن الدولارات والبحبوحة التي يتخيل او يعتقد اصحاب هذه الاسقاطات انها المخرج الوحيد للانقاذ بحيث يتناسى هؤلاء او يتناسون عن سابق تصور وتصميم كل ما تعرض له لبنان وشعبه من تدمير ومجازر من الاميركي عبر وكيلته دويلة الاحتلال الصهيوني، وما اصاب ويصيب لبنان من دعم واشنطن للارهاب. وما عمدت للقيام به من عقوبات وحصار للبنان ليس فقط حصار المقاومة بل لان لبنان رفض ولا زاك يرفض الاذعان لجملة واسعة من الشروط الاميركية المذلة واولها التسليم بجزء كبير من حقوق لبنان وثروته في المياه الاقليمية للعدو الاسرائيلي، عدا عن الحملة المنظمة التي يقوم بها حلفاء واشنطن من قوى سياسية ومنابر اعلامية حول ما يزعمونه التهريب الكبير من لبنان والى سوريا، حتى ان احدى المحطات التلفزيونية وصل بها الامر الى تضخيم قيمة ما يهرب بعشرات المرات ليصل الى اربعة مليارات دولار سنوياً، مع ان شخصيات سياسية مطلعة من داخل الفريق المتحالف مع الولايات المتحدة يقول ان قيمة ما يهرب يومياً يصل الى مليون دولار يومياً.

 

واذا كانت جوقة المطبلين للاميركي وعقوباته ولحملته تضخيم التهريب الى سوريا حتى بات كثير منهم يعيد كل هذا الانهيار الحاصل الى التهريب مع سوريا وكذلك الى ما يزعمه هؤلاء من ان المقاومة هي التي انتجت هذا الواقع المأزوم. وما الى ذلك من كليشيهات سياسية بات لدى اكثرية اللبنانيين يدرك مراميها وغاياتها المشبوهة.

 

وحتى يمكن وضع كل اوراق الازمة وما هو مطلوب فعلياً للمعالجة، وفق وزير سابق، على الطاولة بشفافية ودون اي تزوير وتشويه يشير الوزير المعني الى ابرز عناوين مسببات الانهيار:

 

1- المشكلة الاساسية والتي يحاول معظم اطراف منظومة الفساد وكل القوى السياسية التي تسلقت «شجرة» الحراك الشعبي، وهو ما يعني ان ليس هناك من طرف سياسي داخلي كان شريكاً في السلطة ومجلس النواب، والحكومات لا يتحمل جزءاً من مسؤولية الانهيار، ولو ان هذه التسمية مختلفة بين فريق واخر، بالتالي فليس في امكان حزب الكتائب والقوات اللبنانية رفع مسؤوليتهم عن الدور الذي ساهموا به في الانهيا، على الاقل منذ عام 2005 وحتى اليوم، اذا تجاوزنا ما اقترفوه ما قبل التسعينيات، وهذا لا ينفي مسؤولية الاطراف الاساسية عن الجانب الاكبر من الازمة، خصوصاً الذين توالوا على السلطة منذ عام 92 وحتى اليوم، الى جانب سقطات وفشل معظم اداء وزراء التيار الوطني الحر.

 

2- المسؤولية الاساسية الذي تتحملها الادارات الاميركية المتتالية واخرها سياسة العقوبات التي تنتجها وادارة ترامب التي لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، بهذا الاجرام والتفلت من كل القوانين والانحراف الدولي، ولا يمكن لاي لبناني شريف تناسى ما ارتكبه العدو الاسرائيلي من تدمير وعدوان ضد لبنان، الى جانب تداعيات الحرب الاميركية – الغربية ضد سوريا على لبنان ودعم هذا التحالف للارهاب بكل انواعه، ولاحقاً منع عودة النازحين السوريين التي يلوح عبر خضوع حكومات الحريري وميقاتي للاملاءات الاميركية والغربية، لكن ذلك ايضاً لا يمنع او يحول دون تحميل ما كان يسمى فريق 8 اذار مسؤولية مهمة واساسية في الوصول للانهيار، ولو ان المسؤولية الاكبر داخليا يتحملها الفريق الذي كان يسمى 14 اذار ومن امعن به من رهانات خاطئة فعلت فعلها الضخم في تسريع الانهيار.

 

والى جانب هذين العنوانين الاساسيين يشير الوزير السابق الى عناوين اخرى، ولكن كان لها تداعيات اوصلت للانهيار اقل مما انتجه الخيارين الاوليين، فحزب الله وامينه العام اكدا على مسؤولية معينة للحزب، ولو ان المسؤوليات الاكبر تتحملها منظومة اللقاء والفساد ومن يحركها في واشنطن وغيرها.

 

لكن السؤال الاكثر الحاحاً اليوم، الذي لا يجد المواطن جواباً شافياً عليه اليوم، يتعلق بمستقبله ومصير ابنائه، وبالتالي، من هو الفريق الداخلي الذي يطرح حلولاً بعيداً عن ارتباطاتها واجنداته ومصالحه الشخصية.

 

في اجابته على المستقبل الغامض للبنانيين، لا يرى الوزير السابق قواعد وخطط متكاملة ومترابطة بين ما هو مطلوب داخلياً وبين حاجات لبنان ومصالحه للتوجه خارجياً، ولكنه مجموعة من العناوين بعضها محق وبعضها الاخر لا يقارب مصالح لبنان وشعبه، ومن ابرزها الاتي:

 

– اولاً: على مستوى المعالجات الداخلية من مالية واقتصادية ونقدية، واصلاحية، وحياتية هناك تشتت وضياع في مقاربة ما هو حاجة ضرورية للخروج من الانهيار، رغم ما تحاول الحكومة القيام به، الا انه لا زال يدور في الحلقة المفرغة، وما يسرع في الانهيار امعان القوى السياسية المختلفة وكل الجهات المالية والنقدية وعلى نفس السياسات السابقة، رغم ما تطرحه بعض القوى من عناوين غير مترابطة وكثير منها لتسجيل النقاط باتجاه الخصوم السياسيين كما هي حال معظم القوى السياسية المشاركة في الحكومة وتلك التي خارجها من تيار المستقبل، الى الحزب الاشتراكي، الى القوات اللبنانية وحزب الكتائب حيث ان ما يطرحه كل هؤلاء لا يتعدى محاولة رمي كرة المسؤولية عند الاخرين، وفي احسن الاحوال الرهان على تحسين حضورها في مؤسسات الدولة وكما هي الدعوات لاجراء انتخابات مبكرة بغياب قانون انتخابي عصري فيما يراهن اخرون على الفتنة كما هي حال اولئك الذين انقضوا على اولياء نعمتهم في بيروت وطرابلس.

 

2- منطق الامعان في الرهان على الاميركي وحلفائه والتحريض في الوقت نفسه ليس ضد سوريا بل ضد سلاح المقاومة، وما شكله هذا السلاح ولا زال من مناعة وقوة للبنان، كما هي حال القوات اللبنانية وحزب الكتائب حيث لم يجد رئيس الكتائب سامي الجميل في مؤتمره الصحافي الاخير سوى التحريض ضد سلاح المقاومة الى جانب ابداعاته في ضخ المعلومات المغلوطة حول التهريب مع سوريا، لكي يصل الى مبتغاه الاساسي وهو احداث القطيعة الكاملة مع سوريا وامعان لبنان للعقوبات الاميركية، وما لا يقوله مباشرة وهو منع تواصل المقاومة مع سوريا، وكذلك محاولة تشويه مرامي وغايات دعوة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للسلطة السياسية والحكومة التوجه شرقاً في ظل استعداد دول اساسية مثل الصين وروسيا وايران لمساعدة لبنان من دون التخلي عن التوجه غرباً وانما تنويع الخيارات وفي الحد الادنى وضع الاميركي والغرب امام خيار مساعدة لبنان او التوجه شرقاً.

 

3- اذا كان سلاح الاعلام اصبح اليوم يوازي قوة السلاح كما يقول الوزير السابق، فالغريب ان بعض وسائل الاعلام، وبالاخص بعض القنوات التلفزيونية اللبنانية تمعن في حملات التجييش والتحريض والتخويف من عدم التزام لبنان بقانون «قيصر» الاميركي، انسجاماً مع سياسات اصحاب هذه المحطات فيما البعض الاخر يتعمد، ربما عن قلة دراية بالتسويق للعقوبات الاميركية، على غرار ما فعلته محطة «ال.بي.سي» في الايام الماضية من تعمد استضافة السفيرة الاميركية ومسؤولين اخرين لتوجيه الرسائل المفخخة ضد لبنان فيما امتنعت عن اجراء مقابلات او احاديث مع مسؤولين سوريين، اضافة الى التقارير التي اعدتها عن ما تعتبره المخاطر التي ينتظرها لبنان اذا لم يلتزم بالعقوبات الاميركية وكأن المساعدات الاميركية تتدفق على لبنان، وبالتالي تناست المحطة النتائج الكارثية التي سيحصدها لبنان في حال التزامه بهذه العقوبات، وبالقطيعة الكاملة مع سوريا.