IMLebanon

التلويح بالاستقالة مخرج للأزمة أم تمهيد للتصعيد؟

بعيداً عن المستوجبات القانونية والدستورية لتحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، ما هو الهدف من تداول هذه الفكرة حالياً في مواجهة تصعيد العماد ميشال عون؟

كيف أصبحت استقالة الحكومة مطلباً لخصوم رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وهل التلويح بها مراراً في الأيام الأخيرة استراتيجية جديدة لمواجهته، بعدما كان جميع الأفرقاء السياسيين قد أكدوا ضرورة استمرار عمل الحكومة كحاجة ضرورية للاستقرار؟

منذ اللحظة التي طالب فيها عون بالتعيينات الأمنية، رافضاً التمديد للقادة الأمنيين، والسؤال الأكثر تداولاً هو حول تأثير الضغط الذي يمارسه على ضمان استمرار الحكومة.

لأن بقاءها منذ الشغور الرئاسي، بعدما أصبحت انتخابات رئاسة الجمهورية مستحيلة، كان حاجة إقليمية ودولية استراتيجية، عبّر عنها تحرك سفراء الدول المعنية بالملف اللبناني، عند أول احتكاك حصل على آلية العمل الحكومي وأدى الى اعتكاف رئيس الحكومة تمام سلام لبعض الوقت وتعليق أعمالها في شباط الفائت.

تحت الضغط الإقليمي والدولي، استؤنفت جلسات مجلس الوزراء نحو ستة أشهر، لم يتراجع فيها عون عن مطلبه تعيين قائد جديد للجيش، وصعّد حملته من مطلب رفض التمديد للقادة الأمنيين، الى المطالبة بحقوق المسيحيين وتحميل الرئيس سعد الحريري مسؤولية التراجع عن الوعد الذي قطعه له في لقائهما في بيت الوسط في شباط الفائت.

واجه معارضو عون حملته بتأكيد بقاء الحكومة والتخفيف من وطأة مشاركته فيها على أدائها، فأي استقالة لوزراء عون من الحكومة لن تؤثر على أعمالها وستبقى قائمة بمكوناتها الأخرى وبميثاقيتها أيضاً. في وقت فتحت معركة الآلية مجدداً، في ظل عودة الكلام عن الثلثين والنصف زائداً واحداً في مجلس الوزراء، على غرار ما قيل في سجال شباط الفائت.

لكن عون عدل من استراتيجيته، فذهب الى الدفع نحو تأكيد حضوره في الحكومة وعدم الاستقالة منها، معتمداً استراتيجية التعطيل والضغط لاعتماد آلية 24 وزيراً، كأساس ضروري لتأكيد حقه في الموافقة على تعيين قائد جديد للجيش ورفض التمديد.

الانطباع ان مقبل سيوقع حتما قرار التمديد لقائد الجيش ورئيس الاركان

أمام رفع عون سقف مطالبه ولا سيما في اتجاه المطالبة بحقوق المسيحيين، حصل ما حصل من محاولات من جانب المستقبل تحديداً للتخفيف من حدة الاحتقان المسيحي تجاه الفريق الذي صوّب عليه عون بأنه استولى على حقوق المسيحيين منذ 1990 حتى ما بعد عام 2005. وإذا كان عون بدوره قد خفف لهجة التصعيد المتعلقة بهذه النقطة، تمهيداً لجولة من الاتصالات تهدئ الوضع الداخلي وتحاول فتح ثغرة في الأزمة، جاء تهديد سلام بالاستقالة، في لحظة ظهر فيها تكتل التغيير والإصلاح، منسجماً مع محاولات التهدئة، من دون التراجع عن موقفه، الأمر الذي أثار أسئلة عن سبب التلويح بالاستقالة، بما يتعدى تململ سلام واستياءه من الهجوم عليه وتحميله مسؤولية الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن التلويح باستقالة الحكومة وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال، جاء لافتاً، لكنه لم يأت من فراغ، بل بدأ في الأيام الأخيرة يتداول لدى أكثر من جهة، كخيار جدي، لا لرئيس الحكومة وحده، بل يمكن أن يشكل إخراجاً لجميع الأفرقاء المعنيين من الأزمة الحالية المركبة، إن في شأن التعيينات أو في شأن الآلية المعتمدة. فما حصل حتى الآن بالنسبة الى عون هو أنه ربح فصلاً من فصول معركته أي أنه بات على طريق تثبيت الآلية مجدداً، كما كانت حالها منذ أن حلت الحكومة محل رئيس الجمهورية، وعدم تجاوز تمثيل المسيحيين في الحكومة وصلاحيات رئيس الجمهورية. والمثال الأبرز على ذلك مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب الذي بات توقيع 24 وزيراً عليه بحكم الأمر الواقع.

لكن أكثر من ذلك، لا يبدو أن لدى عون القدرة على فرض ما يريده في التعيينات، بعدما بات خصومه يقضمون معركته قضمة وراء أخرى، وهو بحسب هؤلاء بات غير قادر على أن يربح المعركة التي بدأها لتعيين قائد جديد للجيش مع اقتراب موعد تعيين رئيس الأركان اللواء وليد سلمان. ورغم أن عون سيواصل تصعيده بدءاً من الأسبوع المقبل بعد أن يثبت كما يريد الآلية الحكومية، إلا أن ثمة انطباعات متداولة حتى في أوساط العونيين وحلفائهم بأن وزير الدفاع سمير مقبل، سيوقّع حتماً على قرار التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان، وأن هذا الأمر بات شبه محسوم. وأي قرار من هذا النوع سيتخطى قدرة عون على تعطيله في مجلس الوزراء، لأن القرار سيكون من صلاحية وزير الدفاع وحده، فيما يصبح رئيس تكتل التغيير والإصلاح مقيداً بمعركة الكر والفر بينه وبين خصومه، ولن يبقى أمامه سوى التصعيد وتعطيل عمل الحكومة مجدداً، وهو أمر لن يقبله سلام والمستقبل.

أمام هذا الواقع، جرى تداول فكرة تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، على غرار ما حصل مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ورغم أن وجود رئيس الجمهورية ميشال سليمان آنذاك، أعطى غطاءً للسلطة التنفيذية، إلا أن الحكومة استمرت بتصريف الأعمال نحو عام وكأن شيئاً لم يكن. ومن شأن ذلك أن يتكرر مجدداً مع حكومة تصريف أعمال برئاسة تمام سلام، تكون أولى خطواتها توقيع وزير الدفاع قرار التمديد لقائد الجيش ورئيس الأركان، فلا ترتد مفاعيل التمديد على مجلس الوزراء، ولا على مقررات الوزراء الذين باتوا مقيدين بموافقة عون على قرارات متعلقة بوزاراتهم.

بعيداً عن دستورية ومفاعيل قرار استقالة رئيس الحكومة والاجتهادات حولها، وإمكان تطبيقها عملياً، جرى تداول هذه الفكرة كإجراء احترازي، الهدف منه تعطيل عملية اعتراض عون المتكررة، وتمكين الوزارات المعنية، وخصوصاً الداخلية والدفاع وقيادة الجيش من ممارسة أعمالها بعيداً عن الضغط العوني.

لكن قراراً بهذا الحجم ليس بسيطاً، وقد يكون غير عملي لاعتبارات دستورية وقانونية. وإذا تم تجاوزها، فلن تكون هناك عودة الى الوراء عنه، في ظل غياب رئيس الجمهورية. والذهاب في منحى خطر من هذا النوع سيتعدى فكرة إيجاد مخرج للمأزق الحكومي والتعيينات، لأنها تعني حينها المس باستقرار الوضع الداخلي. إلا إذا كان مطلوباً رفع سقف المواجهة الداخلية بما يفرض إيقاعاً جديداً على البلد في مرحلة المواجهات الإقليمية ما بعد الاتفاق النووي.