IMLebanon

حصرية السلاح بين واشنطن وطهران

 

نقاطٌ عديدة بارزة يمكن تسجيلها في مواقف المبعوث الأميركي توم برّاك خلال اجتماعاته مع الرؤساء اللبنانيين الثلاثة. وأولى هذه النقاط توجيه رسالة واضحة إلى الطائفة الشيعية، مفادها أنه لا استقرار يمكن أن يتحقق في لبنان من دون مشاركتها الأساسية والفاعلة إلى جانب باقي الطوائف في تكريس مبدأ السيادة وحصرية السلاح بيد الدولة، وأن دورها السياسي لا يمكن إنكاره أو تجاهله في أي مرحلة من مراحل الحياة السياسية في لبنان.

النقطة الثانية والأهم على صعيد طمأنة الطائفة الشيعية وقياداتها وعلى رأسها دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري، هي الواقعية في التعامل مع حزب الله باعتباره جزءاً لا يتجزّأ من مكوّن وطني أساسي، وممثَّلاً بكتلة نيابية وازنة داخل البرلمان، وبعدد من الوزراء المحسوبين على الثنائي الشيعي في حكومة نواف سلام. وبالتالي تأكيد برّاك على عدم استهداف الطائفة وتهديدها، وعدم استبعادها من المشاركة في القرارات الوطنية المصيرية بما في ذلك قرار حصرية السلاح وآلية التنفيذ والجدول الزمني المتعلق حتماً بالقرارات والإتفاقيات الدولية، وبثلاثة أمور رئيسية:

• مسار المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول البرنامج النووي السلمي المسموح به لطهران، بالإضافة إلى المسائل المتعلقة بنفوذ إيران وعلاقاتها بالميليشيات التابعة لها داخل الدول العربية من العراق واليمن وصولاً إلى سوريا ولبنان.

• حدود المشروع الإسرائيلي في غزّة والضفة الغربية والشرق الأوسط، ومدى تأثيره على حل الدولتين الذي بات مطلباً أوروبياً وأممياً أكثر من أي وقت مضى. وفي المقابل إعلان العديد من الدول الأوروبية اعترافها بالدولة الفلسطينية، ومواقف فرنسا وبريطانيا بهذا الخصوص، وتحوّلها إلى مطلب عالمي عاجل في مواجهة حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.

• الخطط الأميركية – الإسرائيلية لتوسيع اتفاقيات السلام الإبراهيمي في المنطقة. وإذا كانت الحرب الإسرائيلية الهمجية المتواصلة على الشعب الفلسطيني الأعزل تُشكّل سبباً في تأجيل توسعة السلام الإبراهيمي بين الدول العربية وإسرائيل، إلّا أنه لا يوجد موقف مبدئي معارض لمعاودة السير في هذا الإتجاه، وذلك بانتظار نتائج وتداعيات الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومدى قابلية حل الدولتين للتنفيذ خلال السنوات القادمة.

ومع الأسف، فقد جاء طوفان الأقصى بنتائج عكسية وسلبية جداً على القضية الفلسطينية في ظل عجز عالمي وتخاذل دولي كبير. مِن ذلك استدعاء حرب إسرائيلية مجنونة وحدوث نكبة فلسطينية ثانية أكبر من نكبة العام ١٩٤٨، وتدمير قطاع غزة بشكل شبه كامل، وقتل عشرات الآلاف، ومئات الآلاف من المصابين والمهجرين، وحرب ساحقة بالقصف العشوائي والمتعمّد للمدنيين، وحرب تجويع وإبادة، وتوسيع الاحتلال في الضفة الغربية وصولاً إلى الأراضي السورية، وجنوب لبنان الذي دفع أثماناً غالية لدخول حزب الله في حرب إسناد غزة، ومعه باقي المناطق اللبنانية خاصةً في البقاع والضاحية وبيروت.

النقطة الثالثة هي ما كشفه توم برّاك للرئيس نبيه بري حول الحوار القائم والطويل والمستمر بين واشنطن وطهران، وما تسعى إليه الإدارة الأميركية في إقناع إسرائيل بقبول الورقة الأميركية التي وافق عليها لبنان، ومنع إيران من التدخّل في شؤونه، ومن عرقلة الجهود الرامية إلى إخراجه من أزماته.

النقطة الرابعة تأكيد برّاك على حق لبنان في المطالبة بإلزام إسرائيل بوقف النار، وبعدم مواصلة خروقاتها واعتداءاتها، وبالانسحاب من الأراضي اللبنانية التي احتلتها وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار. وبالتالي إبداء مرونة أميركية في التعامل مع الجدول الزمني المحدد لحصر السلاح بالتوازي مع سعي المبعوث الأميركي إلى إقرار تنفيذه على مراحل معينة توافق عليها الحكومة الإسرائيلية، وتشكّل ضماناتٍ لوقف الخروقات ولانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية.

على الصعيد اللبناني، وبعيداً عن الأجواء المشحونة والمواقف عالية السقف والمتطرفة أحياناً بين حزب الله ومؤيديه من جهة، وبين معارضيه وحكومة نواف سلام من جهة ثانية، فإن مواقف رئيس الجمهورية جوزاف عون لا تزال تشكّل ضمانة وطنية لحماية السلم الأهلي وحفظ البلد مع تمسّكه بتطبيق خطاب القسم وبحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية من دون الوقوع في فخ الفتنة والاقتتال الداخلي. وليتوقف اللبنانيون عن استخدام لغة التخوين والمزايدات وإثارة الفتن من أي جهة أتت! ولنقف جميعاً في صفٍ وطني واحد من أجل لبنان!

إن عبور هذه المرحلة المفصلية يتطلب من الجميع التوقف عن الارتهان إلى الخارج على حساب لبنان، وإعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الخاصة والضيقة، وفوق سياسات المحاور التي جلبت الدمار والخراب إلى لبنان وشعبه الطيب. نثق بحكمة وشجاعة الرئيس جوزاف عون في حفظ السلم الأهلي، وفي إعادة هيبة الدولة وتحصين لبنان من خلال تعزيز علاقاته الدولية والعربية، وعبر الدبلوماسية الذكية والقادرة على تأمين مصالح لبنان وسط الصراعات وتشابك العلاقات والمصالح الدولية. وفي النهاية نأمل من الحكومة اللبنانية برئيسها ووزرائها تجاوز الانقسامات الحادّة داخلها وتوحيد الموقف الوطني في إطار مجلس وزراء يحاكي تطلّعات جميع اللبنانيين ويعيد الأمل بحياةٍ كريمة ومستقبل أفضل.