IMLebanon

الدولة في وادٍ والناس في وادٍ

 

 

تتعدد مشاغل الدولة وهمومها هذه الأيام وتتعدد معها الاستحقاقات، ولعلّ الشاغل الأكبر للدولة هو موضوع حصرية السلاح، وفي لحظة وبعدما صدرت الأوامر العالِية، صدرت القرارات الحكومية محددة المواعيد والخطط لحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، وضربت الدولة مهلة تنتهي آواخر هذا الشهر لبلورة خطة يعدّها الجيش في هذا الإطار، على أن يصار إلى تنفيذها في موعد أقصاه نهاية العام 2025. لغاية الآن وحتى كتابة هذه السطور كل هذا جميل لا بل جميل جداً، إذ إن موضوع السلاح طالما كان هاجس الدولة وذلك منذ العام 1975 والذي جاء اتفاق الطائف أي وثيقة الوفاق الوطني في العام 1989 ليؤكد على وجوب حل كل الميليشيات ووضع السلاح بيد الدولة حصراً. إلّا أن أحداثاً كبيرة حصلت منذ الطائف لغاية اليوم فحدثت حروب الجنوب المتكررة والاعتداءات الإسرائيلية التي طاولت لبنان واللبنانيين طارة بسبب وطوراً بدون سبب، فللدولة العبرية أجندتها الخاصة وليس آخرها ما أعلنه رئيس وزرائها عن تحقيق «شرق أوسط جديد»، بحيث أن تحقيق ذلك يتطلب تغيّرات كبيرة إن في الديمغرافيا أو في الجغرافيا، وهذه التغيّرات تبدأ بغزة وصولاً إلى الضفة الغربية وحتى الحدود الشمالية لإسرائيل.

 

برّاك وخطة «الخطوة خطوة»

 

بعد الأخذ والردّ والمماطلة بدأ السفير الأميركي طوم برّاك بتنفيذ خطته المعروفة بـ «الخطوة خطوة» والقائمة على تنفيذ خطوة من الجانب اللبناني مقابل خطوة من الجانب الإسرائيلي، وبعد أن اقتنع اللبنانيون أنه لا بأس إذا تم البدء بتنفيذ الخطوة اللبنانية في البداية، إذ إنه وعلى ما يبدو فإن الدولة العبرية تبحث عن أي مبرر للسير في عملياتها العسكرية، وبالتالي فإن أي خطة لوقف النار وبالتالي وقف الاعتداءات لا تناسبها بالمطلق، ويخطىء من يظن أن إسرائيل تريد السلام، فالسلام بالنسبة للدولة العبرية يعني الاستسلام لا أكثر ولا أقل، ومن يعتقد غير ذلك فإنه إما قليل الخبرة أو إنه كثير الغباء أو الإثنين معاً. وبعد أن هلّل اللبنانيون للقرارات الحكومية والتي أتبعت بقرار حسن نيّة من الجانب اللبناني، إذ إنه تم إطلاق أسير إسرائيلي وذلك بدون الحصول على إطلاق أي من الأسرى اللبنانيين بالمقابل، فإن لبنان أضحى بانتظار خطوة إسرائيلية وهذا ما لم يحصل، فبقيت الخطوات المقابلة مجرد وعود أميركية صاغها بعناية المبعوث الأميركي الذي شدّد على أنه لا يمون على الإسرائيليين، وبالتالي فإنه يُتضح أن تنفيذ الخطوات المقابلة مرتبط بنوايا إسرائيل التي تتقلّب بين الرفض والانتظار.

 

السلاح الفلسطيني عملية رمزية لغاية الساعة

 

كانت عملية تسليم بعض الأسلحة الفلسطينية والتي لم يكشف لا على مضمونها ولا على كميتها مجرد عملية إعلامية الطابع، بالرغم من أن البعض اعتبرها مؤشر جيد وبارقة خير للبدء بعملية تسليم السلاح الفلسطيني الثقيل، فإن الواضح أن هذه العملية تمّت بسرعة وبمسعى أميركي للإيحاء أنه يمكن تحقيق إيجابيات في موضوع السلاح، وأن التجاوب الفلسطيني شبه مضمون بانتظار التجاوب الإسرائيلي. وإذا كان الجانب اللبناني مهتم بالسلاح الفلسطيني كما بالسلاح الحزب اللاهي، فإن الأهم هو التزام إسرائيل بخطة واضحة لوقف إطلاق النار والانسحاب من التلال الخمس إلى ما هنالك من مطالب لبنانية قد تبدأ بتسليم الأسرى ولا تنتهي بالإعمار.

 

حصر السلاح من ضمن استراتيجية دفاعية

 

إن من أولى الأولويات في إنجاح عملية حصر السلاح هو أن يكون هذا الموضوع من ضمن استراتيجية دفاعية، تؤمّن للدولة الحصول على كل عوامل القوة وذلك للقيام بدورها كاملاً في الدفاع عن لبنان وحماية اللبنانيين. ولتحقيق كل ذلك لا بد أن تفي إسرائيل بكل تعهداتها وأن تبدأ فعلاً لا قولاً بتطبيق فوري لوقف إطلاق النار، كما جاء في القرار 1701 وبالتالي وقف اعتداءاتها اليومية على الأراضي اللبنانية. إن بدء تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي واحترام الحدود الجنوبية اللبنانية هو الأمر الوحيد الذي يشجع المقاومة على الالتزام بحصرية السلاح. إن كل اللبنانيين مؤمنون بحصرية السلاح ولكن على الدولة أن تؤمّن للبناني حاجياته اليومية وأن تضع خطة للتصدّي لشح المياه وفقدان الكهرباء وإصلاح الطرقات، وذلك كي لا تبدو الدولة في وادٍ والناس في وادٍ.

 

* كاتب سياسي