«الثنائي» على موقفه.. لتصحيح قرار مجلس الوزراء الأخير
حدث الذي كان متوقّعا في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء من خلاف بين مكوّنات الحكومة حول بند حصرية السلاح بيد الدولة، بعدما قررت الحكومة حسب النص الرسمي للقرار، «تكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي، في يد الجهات المحددة لإعلان الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية وحدها، وعرضها على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الجاري لمناقشتها وإقرارها»، وكان السبب الرئيسي للخلاف تحديد جدول زمني لسحب السلاح – تحديداً سلاح حزب الله ولاحقا أو قبله إذا أمكن سلاح المخيمات الفلسطينية – وهو الأمر الذي يعترض عليه الحزب وحركة أمل فإنسحب وزيرا الثنائي تمارا الزين وركان ناصر الدين من الجلسة وتحفّظ الوزير الثالث فادي مكي على الجدول الزمني «قبل تقدّم الجيش باقتراحه وقبل استكمال النقاش بحضور الجميع في الجلسة المقبلة».
وبغض النظر عما يحصل أو يصدر عن مجلس الوزراء في جلسة أمس الخميس، فقد بات واضحاً ان سبب الاعتراض ليس على مبدأ حصرية السلاح الذي تضمنه البيان الوزاري للحكومة ووافق عليه ثنائي أمل والحزب، بل السبب هو برأي الحزب الإسراع إن لم يكن التسرّع، في تلبية مطلب أميركي – إسرائيلي بنزع سلاح المقاومة خلال فترة زمنية من دون أي ضمانات أميركية أو دولية بإلزام الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ ما عليه من بنود اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، بوقف الاعتداءات اليومية على لبنان والانسحاب من النقاط المحتلة في الجنوب وإطلاق سراح الأسرى وإعادة الإعمار، وموضوع الضمانات سبق وتنصّل منه الموفد الأميركي توم برّاك في مواقف أعلنها من بيروت خلال زيارته الأخيرة للبنان بقوله «اننا لا نملي على إسرائيل ما يجب أن تفعله». وهو الأمر الذي أثار توجّس الثنائي وجمهوره التواق الى وقف العدوان وإعادة إعمار ما هدّمته الغارات الإسرائيلية وعودة الجنوبيين الى قراهم.
وجاء لاحقا كلام وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش «بأن جيش الاحتلال لن ينسحب من النقاط الخمس المحتلة وان لا إعادة إعمار للقرى الجنوبية الحدودية»، ليزيد من مخاوف وشكوك الحزب.
وقد تسلّح الحزب برفضه تسليم سلاحه والجدول الزمني، بموقف الوزير الإسرائيلي، وبما تضمنته الورقة الأميركية التي قدّمها برّاك للرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام في بعض تفاصيلها ومراحلها الثلاث، وفنّدها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في كلمته الأخيرة يوم الثلاثاء، وجوهرها حسب الشيخ نعيم «نزع قوة وقدرة حزب الله ولبنان بالكامل، ونزع قوة المقاومة حتى السلاح الفردي والخفيف، ونزع قوة الشعب، يعني يريد (برّاك) أن يجعل لبنان مجرّداً تماماً أمام الكيان الإسرائيلي». إضافة الى التهديد بعواقب اقتصادية وأمنية على لبنان إذا خرق اتفاق وقف إطلاق النار، بينما العواقب على إسرائيل – حسب ورقة برّاك – «إدانة من مجلس الأمن الدولي ومراجعات عدم الاشتباك العسكري»! وهذه وحدها كفيلة بأن يرفض اي عاقل مثل هذه الشروط. لذلك وصفها الحزب بـ«ورقة الاملاءات الأميركية».
ماذا بعد؟
قد يطول النقاش في ملف السلاح في ظل الخلافات المستحكمة بين مكوّنات الحكومة، وهذا يعني انه تم ربط النزاع مؤقتاً بين الحزب وبعض هذه المكونات لا سيما رئيس الحكومة نواف سلام والقوات اللبنانية وحزب الكتائب، وضمنا وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي، ولو انهم صاغوا موقفهم المؤيد للورقة الأميركية بطريقة سياسية لبقة غير حادّة. وربط النزاع قد يستمر أسابيع وربما أشهراً، وقد ينسحب أحد طرفي الخلاف من الحكومة أو يعلّق حضوره، ما يعني في كلتي الحالتين تعليق عمل الحكومة وشلّها خلال الفترة المتبقية لإجراء الانتخابات النيابية في أيار/ مايو من العام المقبل، والتي في حال حصلت ولم يتم تأجيلها، ستسفر عن تشكيل حكومة جديدة.
وحتى مع حضور الوزيرين اللذان انسحبا من الجلسة الثلاثاء جلسة الخميس، فإن موقف الثنائي وبخاصة حزب الله لن يتغيّر وهو أصدر أمس بيانا بهذا التوجّه، وقد يتشدّد الحزب أكثر نتيجة الضغط الخارجي الكبير الأميركي والخارجي عموماً الذي مُورِسَ ويمارس ليس على الحزب فقط بل على رئيس الحكومة وربما على رئيس الجمهورية، للإسراع في اتخاذ قرار جمع السلاح ووضع الخطة التنفيذية له في مجلس الوزراء. وقد طبق سلام الجزء الثاني من الطلب الأميركي – العربي بتكليف الجيش وضع هذه الخطة ولو انه حدّد مهلة زمنية للتنفيذ تمتد حتى نهاية العام كما سبق وحدّد الموفد برّاك في ورقته. مع ان بعض المعلومات أشارت الى ان الرئيس عون كان يُفضّل التوافق على القرار قبل إقراره، لكن يبدو انه اضطر للموافقة تحت الضغط السياسي والتهويل الأمني والاقتصادي.
وعلى هذا، يبدو ان ملف سحب سلاح الحزب دونه عقبات وعوائق كثيرة ولن ينتهي بالسهولة التي يتوقعها مؤيدو هذا البند من دون مشكلات كبيرة وربما تصعيد عسكري وسياسي خارجي. أما في حال خرجت الحكومة بموقف آخر مقبول من الثنائي، أو إذا رفضت قيادة الجيش تنفيذ تكليفها جمع السلاح من دون توافق سياسي، عندها يكون المخرج قد تأمّن «ويا دار ما دخلك شر».