IMLebanon

السلاح أمام طريق مسدود ولا إنقاذ دولي مجّاني..!

 

 

 

مع تعثُّر المفاوضات في الجولة الأخيرة، بات واضحاً أن مهمة الموفد الأميركي توم باراك لمعالجة ملف سلاح حزب الله تقترب من الحائط المسدود. فالدولة اللبنانية، رغم ما أبدته من مرونة شكلية في الرد على الورقة الأميركية، لم تُبدِ حتى الآن أي التزام فعلي أو جدول زمني واضح، يتيح الانتقال من مرحلة إدارة الأزمة إلى مرحلة البحث عن حلول.  لا داعي للقول أن هذا التعثّر، إذا استمر، ينذر بسلسلة من التداعيات على الصعيدين الدولي والإسرائيلي، وقد ينعكس سلباً على الوضع الداخلي اللبناني أيضاً.

في الأساس، جاءت مهمة باراك في سياق دولي يتّسم بتزايد الضغوط على طهران وحلفائها، ومحاولة واشنطن منع انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة. وقد عُوِّل كثيراً على الورقة الأميركية التي طرحت حلاً تدريجياً ومتكاملاً لتنفيذ متطلبات القرار١٧٠١وإتفاق وقف العمليات العسكرية، يقوم على مبدأ «الخطوة مقابل خطوة»، ويتضمن التزاماً دولياً بدعم لبنان اقتصادياً مقابل شروعه في مسار جدي لحصر السلاح بيد الدولة. لكن الرد اللبناني، وإن بدا متوازناً من حيث الصياغة في إعتماده مبدأ «الخطوات المتزامنة»، لم ينجح في طمأنة الوسطاء، ولا في إرسال إشارة جدية إلى الداخل والخارج، بأن بيروت مستعدة فعلاً لتحمُّل مسؤولياتها السيادية، ضمن فترة زمنية محددة.

 

إخفاق الدولة اللبنانية في التقدُّم في هذا المسار يعني أولاً فشلاً في إثبات عودتها كدولة ذات قرار موحَّد، قادرة على فرض سلطتها على كامل أراضيها. وهذا الفشل سيُترجم على المستوى الدولي إلى تراجع في الاهتمام بالملف اللبناني، وربما إلى إعادة النظر في دعم المؤسسات اللبنانية، وخصوصاً الجيش اللبناني الذي يشكل الركيزة الأخيرة للاستقرار. كما قد يؤدي إلى انكفاء الحماسة الأوروبية والعربية في مواكبة أي مبادرة إنقاذية، لأن غياب القرار الوطني في ملف بهذا الحجم يعني أن لبنان لا يملك بعد مفاتيح التعافي.

على الصعيد الإسرائيلي، قد يكون لفشل مهمة باراك انعكاسات أكثر خطورة. فإسرائيل، التي راقبت عن كثب مسار الوساطة الأميركية، قد ترى في الإخفاق دافعاً لتكثيف ضغوطها العسكرية والأمنية على حزب الله، سواءٌ عبر ضربات محدودة على البنية العسكرية للحزب، أو حتى في العمق اللبناني، بذريعة تحجيم نفوذ الحزب ومنعه من تثبيت قواعد اشتباك جديدة. وقد تستغل إسرائيل هذا الفشل لتحريك المجتمع الدولي ضد الحكومة اللبنانية بحجة تغطيتها الضمنية لوجود سلاح غير شرعي يهدد «أمن المنطقة».

الأسوأ من ذلك أن استمرار المراوحة اللبنانية قد يعطي مبررات إضافية لإسرائيل في أي تصعيد مقبل مع حزب الله أو إيران، لا سيما إذا تطورت الأمور إلى مواجهة واسعة تشمل الجبهة الشمالية. فالمعادلة التي تحكم العلاقات بين تل أبيب وطهران لم تعد محصورة في سوريا، بل بات لبنان جزءاً من خطوط النار المحتملة. وإذا ما استمرت الدولة اللبنانية في موقفها الملتبس، فإنها قد تجد نفسها في مهب عاصفة إقليمية لا قدرة لها على تحمُّل تداعياتها.

أما داخلياً، فإن فشل مهمة باراك سيفاقم حالة الشلل السياسي والانقسام الوطني، وسيفتح الباب أمام مزيد من التفسُّخ المؤسَّساتي وربما الأمني، لا سيما إذا قررت القوى الدولية خفض مستوى دعمها للبنان. كما سيتراجع رصيد الثقة الدولي بالدولة اللبنانية، ما يعني حكماً صعوبة جذب أي دعم مالي أو استثماري جدّي البلد بأمسِّ الحاجة له. يُضاف إلى كل ذلك أن الإلتفاف الوطني حول العهد الجديد سيُصاب بتصدع يجر وراءه ذيول الخيبة والمرارة.

لم يعد من المجدي التذرّع بحجج التوقيت أو التعقيد الداخلي لتبرير الإخفاق في ملف بحجم سلاح حزب الله. فالمجتمع الدولي لم يعد على استعداد لمواصلة سياسة الإنقاذ المجاني، والدولة اللبنانية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ قرار واضح: إما أن تستعيد سيادتها وقرارها، أو أن تواجه وحدها وبضعفها تداعيات الانكشاف الكامل أمام التحديات والأزمات المقبلة.