أفادت مصادر مقرّبة من رئاسة مجلس الوزراء، بترجيح إقرار الحكومة اللبنانية، اليوم الثلاثاء 5 آب، بند حصرية السلاح بيد الدولة، على أن يجري تفويض المجلس الأعلى للدفاع المضي في الإجراءات التنفيذية لقرار الحكومة، وذلك بعد وضع خطة من قبل قيادة الجيش.
تتجنّب الدولة اللبنانية وحزب الله معاً المواجهة العسكرية مع إسرائيل، هذا ما كشفته معلومات صحافية، مساء الخميس 31 تموز الماضي، من «حراك» أجراه قياديو الحزب على مسؤولين في الدولة اللبنانية، لاحتواء جلسة الوزراء المرتقبة اليوم، والتي تتضمن بنداً رئيسياً يرتبط بـ«حصرية السلاح» بيد الدولة اللبنانية.
خاطب رئيس الجمهورية جوزاف عون، من وزارة الدفاع بمناسبة عيد الجيش، الضباط العسكريين مباشرة، ولكن مضمون الرسالة تخطّى مبنى وزارة الدفاع، ليصل إلى من يعينه في حزب الله. قال عون إنه «على الجهات كافة والقوى السياسية اغتنام الفرصة للتأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية اليوم قبل غد».
لم ينتظر حزب الله الـ«غد»، إذ زار النائب محمد رعد القصر الجمهوري، بعد ساعات من كلمة عون، فيما زار وفيق صفا قائد الجيش العماد رودولف هيكل في اليرزة، بهدف تطويق تداعيات الكلمة وجدول أعمال الجلسة المرتقبة.
سباق مع الوقت هي الحالة التي تشهدها الساحة اللبنانية، حيث تتأرجح بين التوصل إلى تسوية حول موضوع السلاح في مجلس الوزراء كما أفادت المصادر، أو دخول لبنان في أتون الحرب مع العدو الإسرائيلي بمباركة أميركية، في حال لم يتمّ التوصل إلى اتفاقية حول نزع السلاح. على وقع تسارع اللقاءات الداخلية في محاولة لاحتواء الأزمة، عمدت الطائرات الإسرائيلية إلى إيصال رسائل بالنار عبر تنفيذ سلسلة من الغارات استهدفت مواقع للحزب في مناطق جنوبية وبقاعية.
ليس بجديد ما طالب به الرئيس عون لكلمته، فما قاله هو ما أتى في خطاب القسم عند انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية في 9 كانون الثاني الماضي، وهذا بالأساس ما التزم في تطبيقه أمام الموفد الأميركي، وفي زياراته المكوكية التي يقوم بها إلى الدول العربية، والتي في أغلبها كان يستمع من مستضيفيه إلى معادلة واحدة ووحيدة تتعلق بموضوع «تسليم السلاح مقابل إعادة الإعمار».
تجنّب الرئيس عون تحديد موعد زمني لتسليم الحزب سلاحه إلى الدولة اللبناني، فهو القادم من قيادة المؤسسة العسكرية على دراية بأن فرض جدولة لتسليم السلاح قد يدخل البلاد في حرب أهلية. ولا سيما إن الحزب لم يصدر من مسؤوليه أي «ليونة» في هذا الموضوع، فهذا ما أكدّ عليه الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم من رفض الحديث في موضوع تسليم الحزب لسلاحه، لا بل ذهب بعيداً في تصنيف كل مطالب بهذا بأنه يخدم المصلحة الإسرائيلية.
أعلن رئيس الحكومة، نواف سلام، أنه وبسبب الدعوة لجلسة تشريعية نهار الخميس 31 تموز الماضي تزامناً مع الموعد الأسبوعي لجلسة مجلس الوزراء ومشاركة الحكومة فيها، قرّر تأجيل جلسة مجلس الوزارء التي كانت مقررة الى اليوم الثلاثاء في 5 آب.
قد يكون هذا السبب اللوجستي وجيهاً لقرار التأجيل، ولكن أن تتناول الجلسة موضوع استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري في شقّه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً، يبدو مقنعاً أكثر. إن المشكلة تكمن في موضوع «تسليم السلاح»، فالإدارة الأميركية بحسب الورقة التي حملها الموفد الأميركي إلى لبنان، توم باراك، في جولاته الثلاث، التي تصرّ على هذا الموضوع.
تحتاج الولايات المتحدة إلى تسليم الحزب سلاحه، ليس فقط لضمان أمن إسرائيل، بل لأن مشروعها للمنطقة يبنى على أساس إزالة العوائق التي من الممكن أن تشكّل خطراً. لهذا تريد من الحزب تسليم السلاح، في سبيل إزالة العوائق أمام استقرار مستدام، حيث إن انهيار نظام بشار الأسد وضعها أمام تحدّي جديد، يدفع نحو لتطبيع أو حتى توقيع على الهدنة مع إسرائيل.
تتضمن رؤية واشنطن إلى شرق أوسط خال من حركات مقاومة، أو على الأقل مجموعات لا تمتلك أسلحة إستراتيجية تهدّد ما تمّ التوافق عليه في نيودلهي في 10 أيلول عام 2023. إذ رسمت خارطة للتجارة الدولية، من الهند إلى العمق الأوروبي، يشكّل منافساً حقيقياً للممر الذي تعمل بكين على تعبيده تحت عنوان «الطريق والحزام». هذا ما يدفع بها أكثر من أي وقت إلى تفعيل ضغوطها على دول المنطقة لتطويق ما يعرف بحركات الممانعة.
لقد دخل فعلاً لبنان في «العد التنازلي» لجلسة اليوم التي يعقدها مجلس الوزراء لإخراج قرار حصرية السلاح بيد الدولة. فالمطلوب أميركياً سحب الترسانة العسكرية للحزب، والانتقال من الأقوال عند المسؤولين اللبنانيين إلى ترجمتها من خلال الأفعال، أو أقلّه وضعه على سكة الترجمة.
نجحت الضغوطات الأميركية والعربية في وضع ملف السلاح على طاولة مجلس الوزراء، ونجح الحزب أيضاً في عدم إعطاء إسرائيل مبتغاها على جبهتها الشمالية. فنتنياهو يجد في الحرب على لبنان فرصة لتصدير ازماته التي يعيشها داخل إئتلافه الحكومي، وتفعيل المعارضة في الشارع رفضاً لاستمرار الحرب على غزة وإبرام تسوية لإطلاق المحتجزين لدى حماس، بات اليوم تحت عبء التظاهرات العالمية والدعوات الدولية لإعلان الاعتراف بدولة فلسطينية.
رُسمت معالم الجلسة المنتظرة واستطاع المعنيون سحب فتيل إشعال الحرب من جديد، لكنّ ذلك لا يعني أن الحرب استبعدت، بل يعني أن لبنان لم يزل يستفيد بالوقت بدل عن ضائع، في ظلّ تطورات أزمة الجوع في غزة، وعلى ضوء ما سيتجلّى من المفاوضات السورية – الإسرائيلية، حول رسم معالم الصراع المستقبلي بين البلدين. فالإدارة الأميركية غير مستعجلة في إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لبدء الحرب على لبنان، ريثما تتجلّى الصورة النهائية لأي شرق أوسط سيرسم مع تعثّر الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف المطلوبة منه رغم الدعم الأميركي المطلق.
لا حرب بعد جلسة الوزراء على لبنان، لكنّ المؤكد أن الأمور ستزداد سوءاً، لا سيما من الناحية الاقتصادية حيث لا دعم مالي للبنان، ومع المنتظر أن تفرض إدارة ترامب عقوبات على الدولة اللبنانية لحثّها على السير قدماً في موضوع تسليم السلاح. إذ لا تحتمل الإدارة الأميركية المزيد من العراقيل أمام مشروعها في المنطقة، بعدما وضعتها حرب غزة أمام تحدّي جديد يتمثل في إعلان الدولة الفلسطينية. لهذا قد يكون إعادة تعيين المبعوثة الأميركية مرغان أورتاغوس بديلاً عن توم باراك يصبّ في خانة التصعيد الدبلوماسي على لبنان لحسم قرار تسليم السلاح، لا حرب قادمة في المدى المنظور ولكن لا مهادنة مع عهد جوزاف عون لا أميركياً ولا عربياً، فالآتي أعظم.